لمدة خمس دقائق على الأقل كان المذيع "المتميلح" يتجادل مع زميلته المذيعة على موضوع سطحي و"سخيف" بينهما، يخص طريقة كل واحد منهما في نطق كلمة عامية سمعاها من متصل في البرنامج نفسه.
هذا الموقف الذي استهلك وقت البث المحسوب بالثواني في إحدى إذاعات الـFM المحلية، واحد من عشرات من أمثاله التي تسبب الضجر وترفع "الضغط"، خصوصا عندما يكون الشخص في سيارته وسط شارع مزدحم جدا، فهو في حالة كهذه يحتاج إلى معلومة مهمة أو خبر سريع أو حتى مقطع موسيقي هادئ، وهو في غنى عما يلوث سمعه ويكدر يومه. المشكلة أن هؤلاء المذيعين والمذيعات وبتلك "السخافات اللفظية" يعتقدون أنهم يبثون الابتسامات على وجوه المستمعين، وهم على العكس يستهلكون وقتهم ووقت البث الذي من المفترض أن يكون محسوبا بشكل دقيق في أمور استعراضية وشخصية جدا، وكأن الإذاعة تبث لـ"حارتهم" فقط وللأصدقاء الذين يلتقونهم في أقرب مقهى أو استراحة، بعد انتهاء الحلقة مباشرة.
المثير للاستغراب، أن من المفترض أن هناك مراقبة جودة من داخل هذه الإذاعات، تقيم كل دقيقة من البرنامج، وتوجه القائمين على تلك البرامج، وخصوصا المباشرة منها، لكن يبدو أن الأمر لديهم أبسط من ذلك، فكل ما في الأمر هو أن يبحثوا عن مذيع ومذيعة أو أكثر يجيدون الثرثرة في جلسات "أولاد الحارة"، ثم يسلمونهم الميكرفون، ويعطونهم شارة البث المباشر، وينتهي الأمر عند ذلك.
صحيح أن البساطة والتلقائية في مثل تلك البرامج الموجهة لجميع فئات المجتمع قد تجذب مستمعين أكثر، لكن الأصح أن هناك فرقا كبيرا بين مفهوم البساطة ومخاطبة الناس بما يتخاطبون به يوميا، وبين تحول برامج مباشرة تدفع عليها مبالغ ضخمة وترعاها شركات كبرى، إلى "جلسة فَلَة"، كما وصفها أحد هؤلاء المذيعين في برنامجه، عندما قال: "اش رايكم مستعمينا الكرام نخليها فلة اليوم".