يقال "عربجي" أي الشخص المشتغل في نقل الأمتعة بالعربة، وفي عصرنا هذا ظهر وشاع مصطلحان بشكل واسع وهما الثورجي والإخونجي؛ ليدلان كما يبدو للمتابع والمحلل وفق القياس الموضح بأنهم الأشخاص المشتغلون في ما يمكن تسميته بصناعة الثورة وصناعة الإخوان، وهي الجماعة الإسلاموية الأكثر جدلا وبراغماتية على الساحة.
لنأخذ الثورجي أولا، فقد انتشر المصطلح بهذا العصر الذي شهد ما عرف بالربيع العربي المبني على ثورات الشعوب (كما يقولون) يضعنا أمام شعور عام لدى العقل الباطني الجمعي بأن تلك الثورات ربما تحولت من منبعها التلقائي والارتجالي إلى ما يمكن اعتباره مهنة ربما لمن لا مهنة له، أو صناعة جديدة في عصر ما بعد الأنظمة القديمة، تقوم فيها جماعات وتكتلات وأفراد بالعمل على كسب قوتها عبر الترويج لمخرجات ومنتجات الثورة الوليدة؛ بهدف تحويل ذلك المجتمع أو ذاك إلى تجمع بشري ذي ديناميكية ومنطق يختلف عما عرفت عليه المجتمعات ومكوناتها الاقتصادية.
الثورجي إذاً وفق ذلك هو متسبب في "بزنس" الثورة ومسوق لأفكارها وأسير فكرة ديمومة الفكر الغاضب والرافض للواقع التي تبنى عليها كل الثورات مهما كانت أسبابها ومحركاتها.
الإخونجي على الجانب الآخر هو ذلك الإسلاموي الذي يحاول أن يطبق مفهومه في السياسة لينتج دولا مصنوعة وفق الهوى الفكري الإخواني، فيلغي الكيانات السياسية ويعيد رسم الحدود ويشكل المجتمعات بطريقة أممية تتبع قيادة موحدة تؤمن بفكرة الولي الفقيه ولكن بطريقة سنية ووفق نهج السلف الصالح كما يقولون.
(الجيم) الملحقة في نهاية كل الكلمات التي تصف صناعة معينة تبين أن التعبير تركي في الأصل، وانتشار استخدامه في وصف أهم ملامح التحرك السياسي العربي في السنوات الأخيرة، وتزامنه مع محاولة إعادة المجد العثماني الضائع بقيادة الإخوان فيها؛ جعلانا نسأل إن كان ذلك الإخونجي القابع في تلك العاصمة العربية أو تلك يعمل في الأساس في مصنع الإخوان في إسطنبول، والثورجي الذي يوزع شهادات الوطنية على الجميع وفق أهوائه وميوله وأهدافه هل هو صناعي جديد يهدف إلى بناء دولة أم هو صاحب مشروع يعتمد أساسا على استمرار حالة الثورة وإعادة أمجاد شعارات الخمسينات وعبارات المثاليين وبياعين الكلام؟
العربجي كما المكوجي كما البوسطجي كل منهم يشتغل في مهنة أو صناعة يثري بها ويفيد معها الفرد والمجتمع، إلا أن البلطجي المصلحجي والمشكلجي على الجانب الآخر هم من يهدم الدول ويعيدها لعصورها المظلمة.