ارتفع عدد الحالات المرصودة المصابة بفيروس كورونا خلال التفشي الأخير في محافظة الأحساء والمنطقة الشرقية إلى 19 حالة خلال أسبوعين، سلّم 10 منهم أرواحهم لبارئها نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.
شهد الأسبوع الماضي حراكا أشبه ما يكون بمسرحية صامتة، لا ينطق أبطالها إلا بكلمة "شفافية" في كل تصريح يصدح به أحد مسؤولي وزارة الصحة متبعة بعدد لحالات أو إعلان لوفيات ليعود الصمت ويعود المواطنون ووسائل الإعلام المحلية لمتابعة وسائل الإعلام الناطقة باللغة الإنجليزية، أو الفرنسية، لعل لغتهم الأخرى تسعفهم في فهم ما يحصل من زيارات للأحساء من قبل لجان محلية ودولية.
وأثناء متابعة هذا الأداء أعلنت فرنسا رصدها لأول حالة مصابة بفيروس كورونا لامرأة عادت مؤخرا من دولة الإمارات العربية المتحدة وأنها أُدخلت العناية المركزة وتم عزلها صحيا. هذا الإعلان قد يبدو اعتياديا في ظاهره ولكن آليته وتزامنه مع الحالات السعودية يفرض المقارنة بين أداء وزارة الصحة السعودية ووزارة الشؤون الاجتماعية والصحية الفرنسية.
تم تأكيد الحالة الأولى الفرنسية مختبريا في السابع من مايو وفي صباح اليوم الذي يليه، الثامن، تم عقد مؤتمرصحفي برئاسة وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحية وبحضور المدير العام للصحة، ومدير معهد الصحة ورئيس المركز المرجعي الوطني في معهد باستير العريق والذي احتضن أهم اكتشافات اللقاحات في تاريخ الطب.
بدأ المؤتمر بالتصريح عن كيفية اكتشاف الحالة بأنه تم رصدها من قبل معهد الترصد الصحي والذي وضع نظاما لترصد فيروس كورونا من ديسمبر 2012 بعد أن كثفت منظمة الصحة العالمية حينها دعواتها لوضع نظام ترصد لهذا الفيروس الجديد آنذاك. أبلغ الترصد الصحي معهد باستيور والذي بدوره أبلغ وزارة الشؤون الاجتماعية والصحية بعد أن قام بالتأكيد المخبري. استرسل المؤتمر الصحفي بعدها بتفاصيل الحالة والإجراءات التي تخضع لها وأنه تم رصد 120 مخالطا للحالة الأولى تم التوصل لبعضهم وسيتم الاتصال بالبقية لتقييم وضعهم الصحي، وتم الإعلان حينها أيضا عن التوصيات للممارسين الصحيين حسب توجيهات منظمة الصحة العالمية والمجلس العالي الفرنسي للصحة العامة.
اختتمت وزيرة الشؤون الاجتماعية والصحية الفرنسية المؤتمر الصحفي بالإعلان عن خط هاتفي ساخن للجمهور للإجابة عن أسئلتهم وطبعا ذكرت بوجود كافة المعلومات على موقع الوزارة. انتهى المؤتمر الصحفي وللتذكير فإن هذه المعلومات والإجراءات تمت خلال 24 ساعة من التأكيد المخبري لأول حالة فرنسية. وخلال 48 ساعة تم رصد خمس حالات مشتبه بها وتم عمل الفحوصات المخبرية ليتم تأكيد إحداها والإعلان عن حالتين مؤكدتين. هذا كله والوزيرة في طريقها لمستشفى جامعة ليل للوقوف على الإجراءات وزيارة طواقم الاستقصاء والطواقم الصحية، ولم تنته زيارتها إلا بمؤتمر صحفي أعلنت عنه الوزارة قبل وصولها بيوم مذيل باعتذار لوسائل الإعلام التي لن تستطيع تغطيته لصغر القاعة وزودتهم برقم هاتف وعنوان بريد إلكتروني للتنسيق.
ومن حينها والتحديثات "التفصيلية" عن الإجراءات الاستقصائية لم تتوقف بل غيرت وزارة الشؤون الاجتماعية والصحية واجهة موقعها الإلكتروني لتغطية تحديثات فيروس كورونا وأدرجت أيقونة خاصة للمعلومات عنه للعامة وللمتخصصين الباحثين عن بروتوكولات التعامل مع الحالات المشتبه بها.
انتهى الأسبوع الكوروني الفرنسي وكأنه صفحة من كتاب متميز في التعامل مع الفاشيات وانتهى أسبوعنا الكوروني الثاني بمؤتمر صحفي لوزير الصحة يفتقد لأساسيات التواصل مع الجمهور في حالات التفشي، فبعد أن صُمّت آذاننا بالشفافية، انتقل الوزير ليدمج جميع الحالات المكتشفة في المملكة منذ ظهور كورونا العام الماضي، فذكر أن الحالات وقت كلمته 24 حالة، توفى الله منهم 15 حالة والحقيقة هي أن الـ15 حالة والتي تم رصدها في تفشي الأحساء خلال أسبوعين تمثل أكثر من 60? من حالات المملكة كافة في الأشهر الثمانية الأخيرة! الحقيقة أن الوفيات التسع خلال تفشي الأحساء تمثل أيضا 60? من عدد الوفيات الكلي!
تستمر كلمة الوزير بإعادة ما ذكره متحدث الوزارة الإعلامي ووكيلها للتخطيط واقتصاديات الصحة وما ذكره وكيله للصحة العامة وما ذكره نائبه من تبرير يلقي اللوم على المتوفين لإصابتهم بأمراض مزمنة وكأنهم المسؤولون عن تعريض أنفسهم لفيروس كورونا وهو الذي انتقل إليهم عن طريق منشأة صحية وهو ما كررته كافة تصاريحهم التي تتفاخر بالحد من الانتشار، فقط ليتم الإعلان عن أربع حالات جديدة أول من أمس في المنطقة الشرقية ووفاة حالة واحدة بالأمس وكالعادة من دون تفاصيل، ليرتفع عدد حالات التفشي إلى 28 حالة، توفي منها 16 حالة والوزير لم تطأ قدماه الأحساء حتى الآن.
لم يكتف المؤتمر بذلك، بل تبعته تغريدات من حساب الوزارة على تويتر على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الصحة بأن الوزارة قامت بنشر التوعية للجمهور المستهدف عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي ورقم مجاني للتوعية العامة وموقع إلكتروني لا تحمل واجهته حتى أيقونة لفيروس كورونا والمؤتمرات الصحفية المغلقة، ولكن هذا التعالي غير مستغرب مقارنة بأداء الوزارة خلال الأسبوعين الماضيين.
لو تسنى لفيروس كورونا المتواجد حاليا في فرنسا الحديث، فالأغلب بأنه نادم أشد الندم على تجاوز حدود الجزيرة العربية وهو يشاهد ما ينعم به رفاقه لدينا من نقص توعوي يزيد من تعظيم صورته المجهولة.