سلطان عبدالرحمن العثيم
في البساطة تكمن السعادة والحبور، كلمة كثيرا ما تتردد علينا ولكن قد لا نتوقف أمامها لنسبر الأغوار ونعرف المعاني والأسرار، حيث من يعّرف لنا معنى البساطة ومن يخلص أيضا هذا المعنى الجميل من بعض العوالق والصور الذهنية التي قد تشكل على البعض أو تشوه معناه الجميل.
كثيرا ما أسمع عند بعض الأغنياء "كم نغبط فلانا على حياته" وهو ذلك الشخص الذي لا تتوفر لديه إلا ربما أساسيات الحياة ولكنه يستمتع بكل ما حوله ويتذوق النعم ويحمد الله على كل ابتلاء ويوقن من تجاوز الصعاب، وفي المقابل وجدت بعض الأثرياء أو أهل المسؤوليات وربما المشاهير يعيشون بتعقيد أو بتكلف أو على غير ما يجدون سعادتهم فيه.
فالبساطة لا تعني الفقر، ولا تعني السذاجة ولا تعني ضعف الفهم أو الإدراك، ولا تعني الحمق ولا تعني الضعف والاستسلام، ولا تعني السطحية بل هي طريقة عيش تقترب أكثر لفطرة الإنسان وتكوينه حيث يحب أن يعيش بلا أقنعة أو رتوش أو مساحيق تخفي تجاعيد الزمن، يريدك أن تراه كما هو بلا تصنع أو تزييف.
اعتاد البعض على التمثيل أو التكلف أو التزلف أو التصنع أو تبديل الأقنعة حسب المصالح والغايات ولكنهم مهما علوا لم يذوقوا طعم البساطة التي تأتي مع قوة في الحق، وكم من الإنجازات والأعمال ولكن مع الحفاظ على إنسانية الإنسان، ولهذا يصدمون عندما لا يستطيعون أن يشتروا البساطة ذلك المولود الجميل للسعادة والطمأنينة بالمال أو بالجاه.
كثيرة هي أفراحنا وأعراسنا ولكنها رغم التكاليف والديكور والاستعراض بالأزياء والأطعمة إلا أنها لا تجذبنا ولا تحسسنا بالمتعة والرغبة بطول البقاء!
ولعلنا ندرك السبب حيث افتقدت البساطة والتلقائية وأصبحت منظومة من البروتوكولات والخطوط الحمراء والزرقاء والصفراء أمام الجميع حتى أصبح مكان الفرح والسرور وإعلان الاحتفال مكانا جامدا لا روح فيه.
وهنا أعود وأؤكد أن البساطة لا تعني الفوضى ولا تعني عدم إكرام الضيف ولكنها السلوك الأقرب لروحك وعقلك ووجدانك والممارسة التي تحس معها بالمتعة دائما بعيدا عن أي تكلف أو تمثيل أدوار.
يُذكر أن مسؤولا في إحدى البلاد العربية سأل سائقه الخاص بكل صراحة:
هل أنت سعيد؟
فقال: نعم ولله الحمد أشعر بالسعادة وأستمتع بكل دقيقة لي!
فتمتم الوزير بكلمات وفهم السائق استغراب الوزير وحزنه على حاله حيث لا يعيش طعم السعادة ولا جمالية اللقاء ولا حرارة المودة ولا تلقائية المعاملة.
واستغرب السائق من هذا الحرمان الذي يعيشه المسؤول رغم أنك تعتقد للوهلة الأولى أنه يملك الدنيا بأطرافها!
البساطة تحرضنا دائما على النظر للدنيا بتفاؤل وإشراق والعمل الجاد لتحقيق ما نصبو إليه كما أنها تُلهمنا أن نلعب ونمرح ونمزح مهما كانت مكانتنا أو مناصبنا أو أعمارنا، وتزرع فينا كيف نخطف متعة اللحظة مهما كانت جداول أعمالنا مزدحمة.
فلكل مقام مقال، فهناك مواطن كما قال الإمام الشافعي رحمه الله لا تتحمل أن يحتفظ الإنسان بوقاره مثل الخروج للنزهة حيث عليه أن يتبسط ويكسر روتينه العام ويمارس هوايته والأعمال المحببة بانطلاقة ويمازح هذا ويلاطف ويداعب هذا، حيث إنه يتذوق طعما جديدا لم يعشه من قبل.
فالحياة بلا تجديد أو تنوع قاسية على أهلها ويخطئ البعض حينما يريد أن يعيش على نمط واحد، كما أن بعض الآباء أو الأمهات يرون عدم المزاح مع الأبناء أو التبسط معهم حفاظا على الهيبة أو المكانة وهذا لا يصح.
فالإنسان مع أهل بيته أو أحبته عليه أن يكون حميميا محبا قريبا صادقا على سليقته الجميلة وفطرته الرائعة.
من البساطة نتعلم عدم تعقيد المسائل أو تضخيم الأمور وعلاج المشكلات بكل هدوء وتجلد فالحياة لا تسير إلا بمرونة كافية مع حزم في حال الضرورة وهنا نكون أمة وسطا.
لنتعلم من الأطفال قيمة البساطة العظيمة فهم يختلفون وقد يتعاركون ثم يعودون للعناق واللعب من جديد وكأن شيئا لم يكن.
فالحياة قصيرة فلا نضيعها بالخصومات والصراعات والأحقاد والقطيعة أو الذكريات السلبية، فهذا واقع مظلم لصاحبه فالنفس البشرية تتوق للوئام والاستقرار والحب وتقبل على حل المشكلات وتجاوز الأزمات بحكمة وتعقل ورشد.
عندما نرى العلاقات تتعمق وتدوم وتزهر فلنعلم أنها محاطة بروح البساطة الاجتماعية الجميلة فهي تدفعنا للتعاطي مع الناس بشكل مباشر وواضح وصريح لا تشوبه أي شائبة من ألوان العلاقات المضطربة التي تقوم على التلون أو المصلحية المقيتة بعيدا عن أي قيمة إنسانية سامية أو أخلاقية عميقة.
كونوا ناجحين في حياتكم وأهل عطاء وإبداع، كونوا أغنياء، كونوا علماء، كونوا حكماء، كونوا حالمين وطامحين، اقبلوا على المعالي بكل قوة وعزيمة ولكن لا تنسوا أن تكونوا بسطاء.
محبرة الحكيم
عندما يتقدم بك الزمن وتسترجع شريط الذكريات فلن تتذكر إلا لحظاتك الجميلة التي كنت تعيشها بكل بساطة وتجرد.