أشعل الاتحاديون الوسط الرياضي حين أصدروا بيانا يتهمون فيه أنصار الهلال بترديد هتافات "عنصرية" خلال مباراة الفريقين الأخيرة في الرياض، حتى إن القضية استأثرت باهتمام الشارع على حساب منافسات كأس خادم الحرمين ودوري أبطال آسيا لكرة القدم.
وخلال تصريحات تليفزيونية الأحد الماضي، تصدى الأمير عبدالرحمن بن مساعد للبيان الاتحادي، مؤكدا أنه يرفض الهتافات العنصرية عموما دون النظر إلى مصدرها، وهذا ما كان على الأمير أن يتوقف عنده، غير أنه عاد وبرر هذه الهتافات بما لا يرتقي إلى المنطق، خاصة أن إيقاف اللعب أو استمراره أمر بيد حكم المباراة، وحتى لو كان لاعبو الاتحاد تصرفوا بعيدا عن الروح الرياضية، فلا عقل لمن يقر معاقبتهم بالهتافات العنصرية!.
وعندما يأتي الخطأ من شخص اعتاد عليه، تكون ردة الفعل محدودة، قياسا على شخص آخر يحظى بمكانة مرموقة في نفوس الناس وعقولها، وهذا تحديدا ما حدث عقب تصريحات الأمير، بعدما اعتبر كثيرون أنه لم يوفق حين برر استخدام الهتافات العنصرية، وهو أمر يصعب تبريره ولا يجوز تجاوزه إلى مناقشة هتافات تهكمية على نحو "نيفيا" أو "سليق" أو "بروستد" ومقارنتها بمصيبة "العنصرية".
ندرك جميعا أن الأمير ومن خلفه ملايين الهلاليين يشعرون بالغيظ؛ لأن الاتحاد السعودي يتخبط في تصنيف الهتافات وعقوباتها، وكثيرا ما واجه لاعبو الهلال هتافات مسيئة مرت على لجنة الانضباط مرور الكرام، ولكن في المقابل يجب ألا ننسى أن اتحاد كرة القدم نفسه كان يعاقب رئيس نادي نجران السابق مصلح آل مسلم، على أتفه الأمور ويكتفي بلفت نظر رئيس الهلال أو حتى عدم النظر إلى تجاوزاته!.
وبمناسبة الحديث عن آل مسلم، كاد هذا الرجل أن يتعرض لعقوبة لمجرد أنه رفض في تصريح تلفزيوني الهتافات العنصرية والمذهبية التي رددها مشجعو الهلال، وأخشى ما أخشاه أن يجد بعض المشجعين في تصريحات الأمير مبررا لتلطيخ سمعة الهلال بمزيد من الهتافات العنصرية التي لا توازي مكانة وتاريخ أحد أعرق الأندية في العالم العربي.
وعندما نتحدث عن الأمير عبدالرحمن بن مساعد، فنحن نراهن على شخص يمكن أن يساهم في تنقية أجواء الوسط الرياضي، ويساعد على أن تحقق الرياضة أهدافها السامية، بما يمتلكه من حسن الخلق والثقافة والالتزام، وهي أمور لا تتوفر بكثرة داخل هذا الوسط الذي يعج بالمتناقضات.. ويبقى أن من الصعب مطالبة الرجل بتغيير كل ما حوله غير أن الخسارة الكبرى أن ينجح ما حوله في تغيير قناعات رجل مثالي كان يرفض النزول دائما إلى مستوى المشجع البسيط، بل ويحرص على أن يرتقي الجميع إلى مستوى المنافسة الشريفة والروح الرياضية.
شخصيا لا أود أن يخسر الأمير سمعته الطيبة التي سبقته إلى الوسط الرياضي؛ لأنه سيغادر يوما ويعود إلى حياة الشعر والأدب والعمل الاجتماعي بالسمعة الجديدة التي اكتسبها من هذا الوسط.. أدرك تماما أن البعض يقول لماذا تتحدث عن الأمير وهتافات مشجعي الهلال وتتناسى ما فعله وردده مشجعو بقية الأندية؟ وبدلا من تضييع الوقت في توزيع الاتهامات وانتقاد بقية الجماهير، يجب أن نبدأ بمطالبة رئيس وجماهير النادي الأكثر تأثيرا في السعودية بنبذ العنصرية وعدم تبريرها؛ لأن التغيير يأتي من القاعدة الشعبية الأعرض وهذا ما يمتلكه الهلال.
ما نتمناه أن يساهم الأمير عبدالرحمن بن مساعد، في حملة العقلاء لمحاربة العنصرية بعدم تبريرها بما يمتلكه من صراحة، ولا أعتقد أن الأمير الخلوق سيستعمل الآلة الحاسبة قبل أن يقول كلمة الحق في وجه مشجعي كرة القدم، وأولهم مشجعو ناديه، إذ يبقى الخطأ في كل الأحوال خطأ، وتبقى العنصرية ذنبا يستحق طلب المغفرة.