ليست الندوة الإقليمية الثانية لمكافحة المخدرات وتبادل المعلومات التي احتضنتها الرياض مؤخرا إلا جانبا من الاستعداد المستمر والدائم للمعركة التي لا تنقضي وللمعركة التي نواصل خوضها على جبهة هي الأخطر والأكثر إيلاما والأجدر ببذل كل العوامل للانتصار في مجرياتها، معركتنا مع المخدرات.

يمتلئ سجل وزارة الداخلية السعودية بتاريخ طويل من المواجهات في هذه المعركة، وبتاريخ مشرف أيضا من الانتصارات والنجاحات، والأرقام والكميات التي يتم الكشف عنها بين فترة وأخرى على لسان المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية اللواء منصور التركي، تكشف كلها بوضوح أن ما يحدث ليس صنيعة أفراد ولا مجرد حفنة من المهربين، إنها معركة حقيقية بكل ما تعنيه الكلمة.

تقع مسؤوليتنا الثقافية والإعلامية في أننا طيلة السنوات الماضية لم نستطع أن نصنع خطابا حقيقيا وواعيا في مجابهة المخدرات، قمنا بما قمنا من رؤية وحملات وتوعية انطلاقا من وعي مرحلي أخذنا فيه نتعامل مع المخدرات من منطلق الوعظ والتذكير بالتحريم فقط هذا تحذير ربما كان جيدا في وقته لكنه ليس كافيا لوحده. التحريم قيمة دينية عليا ومؤثرة نخاطب بها من يتأثر بها، لكن ماذا عمن لا يتأثر بذلك. هنا تأتي الحاجة إلى خطاب مستمر وجديد وقادر على مخاطبة الوعي المتغير لدى جيل الشباب.

نعم هذا الجيل هو الفئة المستهدفة أولا وقبل غيرها بالمخدرات، إن الحروب الفعلية هي التي لا تستهدف الحاضر فقط وإنما تستهدف المستقبل من خلال محاولة ضرب أهم مقدراته وعوامل قوته والتي تتمثل في الشباب.

ليتنا بذات النجاح الأمني في قضايا المخدرات نحقق نجاحاتنا في مجالات التوعية والإرشاد والسعي باتجاه صناعة وغرس قيمة تربوية عليا هي التي تتولى مواجهة المخدرات كما تتولى مواجهة السرقة والعبث بالممتلكات والحفاظ على الحقوق، حتما هناك فئة تؤدبها العقوبات والأنظمة، لكن القضية ليست هنا، القضية في الحفاظ على جيل كامل وعلى ثقافة ومجتمع من قابلية الانجراف نحو هذه الأخطار، لم نرسخ مثلا في عقول الشباب أن المخدرات أعلى أنواع العبودية، وأعلى أنواع الاستلاب، دعم من المشاهد الدرامية السطحية التي تصور متعاطي المخدرات على أنه يضحك ويهلوس ويصاب بالصداع حين يحتاج للجرعة، كل هذه الصور أصبحت لا تؤثر في المتلقي إلا سلبا. في فترة من الزمن استطاعت مكافحة المخدرات أن تقدم مواد إعلامية مؤثرة حين اعتمدت تقديم فكرة النموذج أو المثال، عرض مجموعة من المدمنين المتعافين وهم يسردون قصصهم وما كانت عليه حياتهم قبل الإدمان وما الذي حدث لهم، مثل هذه التجارب كانت تساهم في توضيح ما لا يتم توضيحه بالحث والإرشاد من خلال تقديم النموذج الواقعي، ومن خلاله يتضح أن حجم الخسارة الحقيقية التي تخلفها المخدرات على القيمة الإنسانية للفرد أولا، أيضا يتضح حجم الإذلال والعبودية الذي يصبح سمة ملازمة للمتعاطي، مثل هذه المعاني يمكن أن تؤثر في مستوى التلقي والتأثير.

بالفعل نحن بحاجة لكل ذلك، لسبب واضح جدا هو أن المعركة لن تتوقف، وأن التعامل مع المخدرات يقوم على مبدأ المكافحة المستمرة لا على مبدأ الردع، ليست عدوا يمكنك قتله والتخلص منه، إنها حرب مستمرة وطويلة.

أبرز وأهم الجوانب في هذا النوع من الحروب هي المعلومات، ولأن المملكة العربية السعودية هي المستهدف الأول في هذه المعركة في واقع تتحالف فيه القوى الباحثة عن المال مع تلك التي ترى في المخدرات سلاحا فتاكا وهو كذلك، هنا تصبح المملكة هي الأولى والأجدر بأن تقود تحالفات إقليمية ودولية في هذا الجانب الخطر والمؤثر وهو المعلومات.

التاريخ الطويل في مكافحة المخدرات يثبت أهمية الجانب المعلوماتي، بل إن الوصول إلى المعلومات هو العامل الأبرز والأهم في إيقاف وإحباط كثير من عمليات الترويج والتهريب، بل وفي إيقاف واكتشاف الخلايا والمنظمات التي تقف خلف ذلك.

تميزت الدورة التي اختتمت مؤخرا في الرياض بتركيزها على قضايا التناولات الإعلامية للمخدرات وأهمية إشراك الوسائل الإعلامية الجديدة في هذا الجانب، وهو ما يمثل إشارة إلى حيوية الندوة وحرصها على الإحاطة بمختلف المستجدات وعلى توظيفها لخدمة هذا الغرض النبيل، وكذلك في المحاور المتعلقة بأهمية الحوار.

مثل هذه الندوة من شأنها أن تسهم في ترسيخ الثقل الحقيقي الذي تلعبه المملكة في مواجهة المخدرات، وفي ذات الوقت تكشف للعالم أن ثمة تناميا مستمرا في الآليات والتوجهات والإمكانات السعودية في مواجهة ومكافحة المخدرات.