اختار الفنان الدكتور راشد الشمراني أن يغيب هذا العام عن الظهور في أي عمل درامي، اختار أن يعتزل العلاج الجماعي على شاشات التلفزيون ويتفرغ للعلاج الفردي في عيادته النفسية! لا شك أن غياب فنان بحجم الشمراني هو خسارة لنا وللمشاهدين، ولكني أرجو أن يصب في مصلحة المترددين على عيادته.
راشد هو الفنان المثقف الذي استطاع أن يقنعنا بشخصية (أبوهلال) البسيطة شكلا وثقافة وتعليما، وهو الرجل الذي يستحيل ألا تصدق أنه هو (طارق الواصل) النصاب في مسلسل "بيني وبينك"، ولا ريب فهو رجل التفاصيل الداخلية الصغيرة، القادر - ذهنيا – على تحريك الشخصيات من الورق إلى الحياة، فحين تناقش معه حياة إحدى الشخصيات تنسى أنك تتحدث عن شخصية لا وجود لها، بل عن شخصية لا شك في وجودها، يعيش معها قبل أن يجسدها أمام الكاميرا، يتماهى فيها، يدرس نقاط قوتها وضعفها، ويضخ الدماء في شرايينها.
أهم ميزة عرفتها في راشد، خلال سنوات من التعامل معه، هي قدرته غير العادية على كبت "الكاتب" الذي يسكن داخله، ويفعل ذلك عن وعي، حتى لا يتعبه ذلك الكاتب المتواري على شكل "خلية نائمة"، وحتى لا يهدر عليه فرص الاستمتاع بتحليق الفراشات الملونة، على امتداد سماواته.
ولعمرك إنه (تجاهل) يحتاج إلى كثير من العلم، والحلم، فالمعاهد الفنية المتخصصة تمضي سنوات طوالا لتحيّد هذا (المؤلف) داخل دارسي الفن. أتمنى أن يعود راشد الشمراني قريبا للوقوف أمام الكاميرا. فهو إحدى النكهات الطبيعية رائعة المذاق في الطبق الرمضاني للفن السعودي. راشد بسيط حتى التعقيد، ومتواضع لحدود الخيلاء.