في الأول من يناير العام القادم 2014 سوف تستقبل طاولة مجلس الأمن الدولي خمسة أعضاء جدد غير دائمين، وإحدى هذه الدول هي المملكة العربية السعودية، التي سوف تحظى بعضوية المجلس لأول مرة في تاريخها. ورغم أن دخولنا للمجلس سوف يكون بعد حوالي ستة أشهر من الآن، إلا أنه من الضروري أن تزداد وتتضاعف وتيرة استعداداتنا قبل التمتع بالعضوية، حتى نستطيع تحقيق الاستفادة القصوى لقضايانا الوطنية والإقليمية على حد سواء.

حيث يعد مجلس الأمن أهم أجهزة الأمم المتحدة، وهو المسؤول الأول عن حفظ السلام والأمن الدوليين طبقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بالتعاون مع بعض المنظمات الإقليمية مثل "دول حلف الناتو" وغيرها، وتعتبر قرارات مجلس الأمن الدولي ملزمة لجميع الدول، نظراً للسلطة القانونية للمجلس على حكومات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

هذا ويتكون المجلس من خمسة أعضاء دائمين هم: الولايات المتحدة الأميركية، المملكة المتحدة، روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً)، الصين، فرنسا. ويعود سبب حصول تلك الدول على المقاعد الدائمة نظراً لانتصارها في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى عشرة أعضاء غير دائمين، تنتخبهم الجمعية العامة لفترة سنتين اثنتين فقط، ويتم تبديل خمسة أعضاء منهم كل سنة، وتخضع عملية اختيار الأعضاء غير الدائمين للترشيح الذي يتم عبر المجموعات الممثلة في المجلس، حيث يتم الاتفاق على أن تتمثل دول المجموعة الأفريقية بثلاثة مقاعد، وكل من مجموعة الدول اللاتينية وجزر الكاريبي والمجموعة الآسيوية ومجموعة دول غرب أوروبا بمقعدين اثنين، ومجموعة دول أوروبا الشرقية بمقعد واحد فقط، وبعد أن تقوم المجموعة المرشحة بتحديد مرشحيها من الدول؛ يُعرض الترشيح على الجمعية العمومية للأمم المتحدة للتصويت، كما جرت العادة على ترشيح دولة عربية واحدة لعضوية المجلس كل سنتين، مرةً ضمن مقاعد المجموعة الآسيوية، ومرةً ضمن مقاعد المجموعة الأفريقية، ومنذ بداية العام الماضي 2012 تتمتع المملكة المغربية بعضوية المجلس ممثلة للدول العربية والمجموعة الأفريقية، بينما كانت الجمهورية اللبنانية ممثلة للدول العربية والمجموعة الآسيوية خلال الفترة 2010-2011، ولقد جرى اتفاق بين الدول العربية على ترشيح المملكة للمقعد العربي عن المجموعة الآسيوية، خلال الفترة 2014-2015.

لذا فإن دخول المملكة لعضوية مجلس الأمن يعد فرصة لا تعوض للدبلوماسية السعودية، خصوصاً إذا علمنا أن هناك ما يزيد عن 70 دولة عضواً في الأمم المتحدة لم تدخل ضمن عضوية المجلس قط، كما أن عودة المملكة لعضوية المجلس مرة أخرى لن تتم إلا بعد 42 عاماً على الأقل، نظراً لأن عدد الدول العربية المعتمدة في الأمم المتحدة يبلغ 22 دولة.

أما بخصوص استعداداتنا لشغر هذا المقعد المهم؛ فحتى الآن لم تقم وزارة الخارجية إلا بالعمل على تدريب عشرين شاباً من دبلوماسيي الوزارة، وذلك في جامعة كولومبيا Columbia في "نيويورك"، ضمن برنامج أكاديمي صمم خصيصاً لصالح وزارة الخارجية السعودية في كلية العلاقات الدولية بالجامعة، التي تعتبر ضمن قائمة جامعات القمة الأميركية، وفيما عدا ذلك لا توجد أي إشارة لعضوية المملكة في مجلس الأمن في الموقع الإلكتروني لوزارة الخارجية، أو ضمن تصريحات المتحدث الإعلامي لها، غير أنها وردت ضمن بضع محاضرات للمندوب الدائم للمملكة إلى الأمم المتحدة السفير "عبدالله بن يحى المعلمي"، الذي أشار إلى أن المملكة تستعد لكي تمارس نشاطها داخل مجلس الأمن العام القادم، دون أن يفصح عن طبيعة هذه الاستعدادات!

لذا من الضروري أن تزداد وتيرة الاستعدادات الدبلوماسية السعودية، سواء في مقر البعثة السعودية الدائمة في "نيويورك"، الذي لا يفصله عن مقر الأمم المتحدة سوى شارع واحد، أو في البعثات الدبلوماسية السعودية حول العالم، وأن يرافقها نشاط إعلامي مكثف ومحدد الأهداف ضمن إطار زمني، يستهدف حصر القضايا ذات العلاقة بالمملكة، وموقف المملكة تجاهها، فضلاً عن ضرورة تحديد موقف المملكة تجاه النزاعات التي لا تتقاطع مع مصالح المملكة حالياً، بما يخدم مصالحنا العليا. بالإضافة إلى تكثيف مشاركة الممثلين السعوديين في الهيئات الفرعية للمجلس، وتنص المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة على حق المجلس في إنشاء لجان وهيئات فرعية لأداء وظائفه ومنها: لجان مكافحة الإرهاب وعدم الانتشار، لجنة الأركان العسكرية، لجان الجزاءات والتي تنشأ بناءً على الظروف الدولية والتحركات العسكرية، لجنة الخبراء التابعة للمجلس، لجان التعويضات، لجان عمليات حفظ السلام، لجان المحاكم الدولية، دون إغفال الهيئات الفرعية الاستشارية مثل لجنة بناء السلام، وغيرها.

أما الأمر الآخر فهو ضرورة المطالبة بمقعد دائم للمملكة في المجلس، عطفا على ثقلها السياسي والديني والاجتماعي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي، وكذلك دورها الاقتصادي، سواء دورها المرجح في سوق الطاقة الدولية أو عضويتها في مجموعة أكبر عشرين اقتصادا حول العالم، خصوصاً وأن ذلك يترافق مع دعوات دولية عديدة لإصلاح أجهزة الأمم المتحدة، وعلى رأسها مجلس الأمن بضم عدد من الدول الكبرى والمؤثرة حول العالم إلى المجلس، والمملكة – بالتأكيد - خير إضافة دائمة للمجلس.