يعد مجلس الشورى السعودي جهة تشريع من خلال صلاحيته في ذلك، فقد جاء في المادة الثالثة والعشرين من نظام مجلس الشورى السعودي: "لمجلس الشورى اقتراح مشروع نظام جديد، أو اقتراح تعديل نظام نافذ، ودراسة ذلك في المجلس، وعلى رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك"، فالمجلس بالإضافة إلى مهمته في دراسة الأنظمة واللوائح ومراجعتها والاتفاقيات الدولية، ومناقشة الخطة العامة للدولة، ومناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، وغيرها من المهام الجسيمة التي هي ملقاة على عاتق المجلس، فله أن يقدم مشروع نظام جديد ويدرسه، فإذا أقره الملك ـ حفظه الله ـ أصبح نظاماً عاماً وملزماً في الدولة.

إن المملكة العربية السعودية في هذه اللحظة التاريخية تشهد انتقالاً كبيراً في الوعي المجتمعي بناء على طبيعة السيرورة التاريخية والتغيرات العالمية وتطور وسائل الاتصال التي تخلق حراكاً فكرياً وثقافياً وسياسياً وتقارباً مع الثقافات الأخرى، والتي تدفع الناس إلى مناقشة قضاياهم المصيرية، باعتبارهم ركبانا في سفينة واحدة وعليهم الإسهام في حماية السفينة من العاديات، وإصلاح كل ما هو معوج فيها حتى يسلموا جميعاً من الغرق أو التعثر في المسير.

ولأن "الواقعية" شرط في الإصلاح، والتعالي على طبائع الأشياء يفقد أي مسعى للإصلاح قيمته، وخاصة حين يغرق الناس في المثالية التي تتعالى عن الواقع، فلا بد أن تكون الرؤى الإصلاحية منبثقة من طبيعة الاجتماع البشري الخاص. والمملكة العربية السعودية ذات سياق تاريخي وديني وجغرافي خاص، ولها طبيعتها التي تحتاج إلى استصحاب هذا عند أي حديث حول التغيير والإصلاح، ولهذا فإن تطوير أداء مجلس الشورى لا بد أن يتوافق مع مراعاة هذه الطبيعة من خلال انفتاح أعضائه على المجتمع والجمهور، والاستماع إليهم ومناقشة همومهم، والاتصال مع أهل الرأي والفكر والثقافة والعلم، حتى تكون تلك القرارات التي يقدمها مجلس الشورى لصياغة الأنظمة والقرارات متماشية مع حاجات المجتمع ورأيه وطبيعته، وحتى لا يكون المشرع في جهة والناس يغردون في جهة أخرى، فإن كانت فكرة "التمثيل" مؤجلة في نظام المجلس فلابد أن تكون هناك صلة بين الأعضاء المعينين وبين مجتمعهم، وهذا الانفصال التام بينهم وبين المجتمع أسهم بشكل كبير في تشكل الرأي الاجتماعي على التشكيك في كل ما يصدر من مجلس الشورى وطبيعة عمله، مع أن المتابع لعلمه في السنوات الأخيرة يدرك حجم الإنجاز، فكل النظم الجديدة تمت دراستها ومعالجتها ومناقشتها في المجلس، وهناك مشروعات وآراء نافعة ومفيدة تناقش، وكثير منها يرى النور وينعكس على المجتمع وأنظمته بشكل جيد.

وإذا كان مجلس الشورى هو المطبخ لمناقشة الأنظمة والقرارات وكل ما يتعلق بمسائل التنمية فهو يتماس مباشرة مع هموم المجتمع وقضاياه الكبرى، وعليه، للمجتمع الحق في أن يسمع صوته بأي طريقة كانت، ولن يتم ذلك إلا من خلال تطوير الجانب "الإعلامي" للمجلس وتطوير "العلاقـات العـامة فيه" لتكون هنـاك برامج تواصلية مع المجتمع بشرائحه المتنوعة عبر الوسائل الـحديثة التي تتيح هذا التواصل بسهولة ويسر، والحرص على إبراز القرارات التي تدرس وتراجع وتعالج في المجلس حتى يكون الناس على بينة من هذه الجهود المبذولة، والتركيز على المطبخ الخلفي للجلسات قبل المنـاقشة ليتم بعد ذلك التفاعل الإيجابي من الجميع في تقديم الاقتراحات والرؤى التي تعين المجلس على أداء عمله المنوط به، وليشعر الناس بالرضا في سماع اقتراحاتهم، الأمر الذي سيعزز الشعور الوطني والمساهمة النافعة ممن يرد أن يشارك في صناعة ما ينفع المجتمع من أنظمة وقوانين.