"ساجيا" هو الاسم المختصر للهيئة العامة للاستثمار، وهو كذلك في نظري يمكن أن يكون اسما مختصرا لسوء الأداء في الأجهزة الحكومية، التي من المفترض فيها أن تكون من أدوات التفعيل والتطوير والتيسير على المواطن، لكن واقعها يبين أنها من خلال طريقة أدائها لعملها تحولت من جهاز للتطوير إلى جهاز للتعطيل في كثير من أحواله.
"ساجيا" هي واجهة المملكة أمام المستثمر الأجنبي، إذ إنها هي الجهة التي يتعامل معها هذا المستثمر عند رغبته بالاستثمار في المملكة العربية السعودية، وهي من خلال موقعها على الإنترنت تقدم معلومات رائعة عن الاستثمار في المملكة بطريقة جذابة مفصحة عن الخطط المستقبلية للمملكة والأرقام ذات العلاقة، ولكن جمال موقع "ساجيا" على الإنترنت لا يعكس إطلاقا مستوى الأداء الذي تقوم به الهيئة العامة للاستثمار بدءا من تقديم الطلبات على شبابيك الانتظار وانتهاء بدورها الاستراتيجي في التعامل مع المدن الاقتصادية وتطوير وسائل وفرص الاستثمار.
في السابق كان هنالك حملة قوية ضد "ساجيا" في تساهلها مع المستثمر الأجنبي دون التحقق من أهليته للاستثمار، ودون التأكد من أن هذا الاستثمار سيصب في مصلحة الاقتصاد الوطني من خلال تفعيل آليات السعودة والتوطين، ولم تكن هذه الانتقادات بعيدة عن الواقع، فمن تعامل مع الهيئة في ذلك الوقت يعلم علم اليقين أن معايير الاستثمار لم تكن بالضرورة معايير موضوعية، ويكفيك لتقييم ذلك أن تطلع على موقع الهيئة وتراجع باقات الاشتراك التي كانت تطبقها "ساجيا" سابقا وربطها بمدد إنهاء الخدمات بغض النظر عن المشروع الذي تقوم به.
أنا واحد من الناس الذين استبشروا خيرا بتغيير الإدارة السابقة في "ساجيا"، وسرني جدا بعض التغييرات التي تمت فيها، لكنني أيضا واحد من الناس الذين ما زالوا ينتظرون بشغف وقد مر عام كامل؛ النتائج الإيجابية لهذا التغيير، ولكن للأسف ما زالت طوابير الانتظار وتأخير المعاملات في الهيئة على حالها، ويكفي المستثمر الأجنبي أو من يمثله أن يبدأ إجراءات التقديم على شباك الخدمات الموحد ليعلم أن هذا الشباك ما هو إلا سلسلة من حالات التأخير المتكرر والتعديل المستمر على الطلبات دون أدنى سبب سوى مزاجية واختيارية ذلك الذي يستقبلك على الشباك. بعض المعاملات لا تتحرك من مكانها للمراجعة بالأشهر وحين تتحرك تأتيك قائمة من الطلبات لم تكن قد طلبت من قبل، وما عليك أنت وعميلك المستثمر الأجنبي سوى الانتظار والاستجابة.
عامل الزمن في عالم الأعمال هو من أهم العوامل التي يأخذها المستثمر بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار بشأن توجيه الاستثمار لوجهة معينة، ولهذا فإن عدم تقدير "ساجيا" لعامل الزمن وأهميته بالنسبة للمستثمر أيا كان لهو أمر في غاية الخطورة على مختلف الأصعدة، فهو فضلا عن الصورة السلبية التي يعطيها عن المملكة بحكم أولوية التجربة للمستثمر ينعكس على الرغبة في الاستثمار في المملكة وفقا للمأمول على المستوى الاستراتيجي للدولة، وهو كذلك يدعو المستثمرين من الطرفين (السعودي والأجنبي) لأن يحاولوا إيجاد آليات ملائمة لتجاوز عقبة "ساجيا" والتأخيرات المتوقعة عند التعامل معها.
إن سياسة الصمت المطبق التي تنتهجها "ساجيا" حاليا حيال خططها للتغيير والتطوير، في مقابل سياسة البروباجندا التي كانت تنتهجها في السابق تجعلنا دائما في حيص بيص وتنتزع سلطة النظام والسياسات المعلنة لتضعها في يد موظف الاستقبال على الشباك الذي أصبح كلامه هو مصدرنا للمعلومة، وأمره وتوجيهه لا يقبلان النقاش وإلا تأخرت المعاملة مزيدا من الوقت.
يصيبني الحرج كثيرا حين يكون ردي على كثير من الاستفسارات التي تردني من المستثمرين الأجانب حول "كيف" و"متى" عندما يتصل الأمر بـ"ساجيا"، فأختصر إجابتي لهم بأنني "لا أدري" وأنني أسمع كما يسمع غيري عن تغييرات تنظيمية في طريقها للاعتماد ولكنني لا أعرف كنهها ولا أعرف متى سترى النور، أسمع من خلال موظف الشباك أو من خلال ما يتناقله الناس أن "ساجيا" قررت رفع المبالغ المطلوبة للاستثمار لكنني أراجع موقع الهيئة فأرى أنها ما زالت على حالها، أسمع كما يسمع غيري أن المحافظ الجديد قد أوقف إصدار التراخيص الجديدة، ثم أسمع أنه لم يوقفها وإنما وجه بالتشديد في الدراسة والتقييم، ولكنني لم أر شيئا مكتوبا في هذا الشأن، كل ما أعرفه هو شيء يدعى "ربما" لأن الهيئة قررت الصمت.
إذا كان المقصود من الهيئة هو التيسير على المواطن وتطوير سبل الاستثمار الأجنبي بحيث يخدم مصلحة الوطن، فمن المهم أن يكون من أول أولوياتها شفافية التواصل فيما يتعلق بسياساتها وأنظمتها، وأن يكون من أول أولوياتها رفع مستوى التعامل مع الطلبات التي وصلت مدد الانتظار فيها لفترات تصل لأشهر بينما تأخذ يوما أو يومين في دول مجاورة.
أقدر أن الإدارة الجديدة تسعى للتطوير لكنني أقولها بصدق وإخلاص: هذا الصمت هو دعوة مفتوحة للفساد والإشاعات حتى تتحدث الهيئة رسميا.