من الشائع لدينا للأسف أن يصدر الحكم القضائي فلا يجد طريقه للتنفيذ!، أو يظل الإنسان يطارد خصمه ليحضر إلى المحكمة فلا يجد عليه سبيلا!، حتى أصبحت عادة للمماطلين والمحتالين بأن استغلوا القصور النظامي في هذا الجانب، فأخذوها عادة!، بل بعضهم يهدد صاحب الحق بأنه لن يحضر للمحكمة بكل جرأة!.

سبق وأن كتبت مقالا بعنوان: "نظام التنفيذ الجديد ثورة ضد المحتالين".. وكان مما ذكرت فيه أنه يجب أن تتماشى اللائحة التنفيذية مع مستوى النظام في جودة صياغته وقوة أفكاره وعمقها. وقد صدرت اللائحة هذه مؤخرا، وأودّ شكر اللجنة المشكلة على جهودها، كما أشكر لها نشر اللائحة قبل اعتمادها، وهذه تُعد سابقة لم يُعتد عليها، وربما لو تم توسيع اللجنة لتشمل بعض المحامين لكان أتمّ، أو حتى سماع وجهة نظر جهات استشارية مستقلة، إضافة لرأي كبار المستفيدين الذين يعانون من مشاكل التنفيذ والتهرب لربما عاد هذا بالنفع على المشروع.

أود هنا باختصار الإشارة لموضوعين مهمين في هذا الجانب:

الأول: ضرورة معالجة مشكلة التبليغ للخصوم أثناء المحاكمة وقبلها، إذ إن هذا الأمر لا يختص به نظام التنفيذ، بل نظام المرافعات ـ وهناك مشروع تعديل له مضى عليه عدة سنوات ولم يرَ النور للأسف ـ الذي يجب أن يكون في مستوى نظام التنفيذ ومتوافقا معه، كما أتمنى أن يحسم النظامُ الكثيرَ من الفراغات التشريعية التي أدت إلى إعاقة العدالة ووضع العقبات أمامها.

الثاني: أود الإشارة باختصار إلى بعض النقاط حول اللائحة الجديدة، وأتمنى من اللجنة الموقرة إعادة التأمل في هذه النقاط للمصلحة العامة:

في المادة 17 من نظام التنفيذ، تلزم جهات تسجيل الأموال بالإفصاح في مدة لا تزيد عن 10 أيام، ولم تعالج اللائحة ما لو لم تستجب تلك الجهة بالمدة؟ أو حتى فيما لو رفضت الإفصاح؟ ويفترض أن تضع اللائحة بعض المعالجات أمام القاضي.

المادة 18، أشارت إلى إلزام جهات تسجيل الأموال بضرورة إنشاء قواعد بيانات بالملكيات، ولكن لم تفصّل اللائحة كيفية التبادل بين تلك الجهات وآليته؟ كما أننا لا نعرف كيفية الحصول على بيانات العقارات مثلا من وزارة العدل المصدرة للائحة نفسها، في ظل أن الكثير من الصكوك ما يزال يصدر بخط اليد حتى الآن في عدد من كتابات العدل! وماذا عن تلك العقارات التي تحمل صكوكا قديمة؟.

في المادة 21، تعرضت لحسم جزء من الراتب الشهري للمدين المنفَّذ عليه، إلا أن اللائحة لم تتطرق لآلية ذلك الحسم، ولا واجبات الجهات ذات العلاقة كجهة عمل المدين وعلاقتها بالبنوك والحسابات مثلا.

في المادة 34، وهي مادة جميلة وقوية، وقد رتبت موضوع إبلاغ المدين، بحيث إذا تعذر خلال 20 يوما، فإن الإبلاغ ينشر في الجريدة ويعدّ هذا إبلاغا، وهذا يقطع باب التلاعب من قبل المماطلين. ولكن يلاحظ على اللائحة أنها أضافت في المادة 34/22 لمن كان مقره خارج المملكة مدة شهرين!، وقد أخذوا هذا النص من نظام المرافعات بالضبط، ولكن بنظري أن هذا لم يكن مناسبا، إذ إن الحالة تختلف، ففي نظام المرافعات يتحدث عما قبل المحاكمة وأثنائها، بعكس نظام التنفيذ فهو يتحدث عما بعد صدور الحكم، وفي سندات تنفيذ يعلم عنها المدين جيدا، بخلاف ما قبل المحاكمة، إذ يحتاج إلى إبلاغ مبكر والتأكد من ذلك، وربما وضع مدة طويلة كهذه غير مناسب.

وفي نفس المادة تحدثت من جديد عن مكان المدين لإبلاغه، وكأنه مدعى عليه وليس منفَّذا عليه، وبنظري لو اكتفوا بأن أرجعوا أحكام الاختصاص المكاني ونحوه إلى مكان صدور الحكم وما يُطبق عليه في مرحلة ما قبل الحكم لكان أجود. ثم إن اللائحة لم تعالج من لم يُعرف مكان إقامته ولا المنطقة التي هو فيها وكيفية إجراءات إبلاغه!.

وقد أعجبتني الفقرة 34/13 التي أعطت مُهَلاً محددة للإبلاغ من خلال الإمارة ثم الجريدة، ونتمنى أن يتم وضع مادة شبيهة لها في مشروع نظام المرافعات.

كما أعجبتني الفقرة 34/24، إذ نصت على أخذ إقرار على المدين بعناوينه، وأنه ملتزم بآثاره، وكان بودي لو نصت على عبارة "يُلزَم"، ثم تضع آلية لمن يرفض الإقرار عن كيفية تحديد عنوانه، وربما لو أشارت إلى أن الممتنع قد يعاقب تحت مواد العقوبات التي جاءت في آخر النظام كونه يعدّ ممتنعا من التنفيذ.

وهذه من الأشياء التي تجدر معالجتها مبكرا، بأن تعالج من خلال نظام المرافعات، بأن يؤخذ الإقرار من المدعين بعناوينهم الرسمية عند بداية المحاكمة.

وقد نص النظام في نفس المادة 34/4 على التنسيق بين وزارة العدل والجهات ذات العلاقة للإفصاح عن عناوين الأشخاص الذين لا يعرف لهم محل إقامة، إلا أن اللائحة للأسف لم تذكر شيئا من هذا القبيل، مع أهمية هذا الأمر الكبير في الحصول على المعلومة.

نقطة أخيرة وربما من أهم النقاط، فلم يعالج النظام ولا اللائحة موضوع إبلاغ النساء غير العاملات! وهذه مشكلة كبيرة جدا، وكنت أتمنى لو عالجها النظام، فهل يكتفى بإبلاغ الزوج أو الولي؟ بالتالي يجب معالجة كيفية الإبلاغ وآليته وهكذا. وأرى ضرورة معالجة هذا الأمر عاجلا؛ كونه معيقا فعليا للعدالة ولحقوق الكثير من الناس، خاصة مع بعض تعقيدات العادات المجتمعية.

هذه ملاحظات ومقترحات آمل أن تكون مفيدة، مع إقراري واعترافي مجددا بجهد كل من شارك في هذا النظام ولائحته، ولكن يُكمّل بعضنا بعضا؛ سعيا وراء الإصلاح وتحقيق العدالة للجميع.