يعتبر التعليم الجامعي في المملكة أحد ملامح التطور والتقدم التعليمي والثقافي في البلاد، فالجامعات السعودية تتبوأ مراكز متقدمة في قوائم الجامعات العالمية وهي حقيقة وليست مجاملة. وإن كنت سأنتقد بعض الظواهر السلبية في الدراسة الجامعية في المملكة إلا أن انتقادي لا ينقصها حقها وقيمتها ومستواها وهي في بعض الحالات ليست مسؤولة عما يجري خارج أسوار الجامعة وخارج فصولها الدراسية. إلا أنها ظواهر تحتاج إلى دراسة مستفيضة للتعرف على أهم الأسباب التي خلقت هذه الظواهر السلبية، وهي ليست محصورة في جامعة بعينها وليست تختص بالجامعات الحكومية فقط وإنما تعاني منها أيضاً الجامعات والكليات الجامعية الأهلية. والظاهرة هي ظاهرة الدروس الخصوصية في فصول دراسية خاصة في شقق ومنازل خاصة موازية في المنهج للدروس والمحاضرات في الجامعات والكليات الحكومية والأهلية، حيث تدرس نفس المقررات من أساتذة خارج الجامعة أو من نفس أساتذة الجامعة، وفي الأغلب يُقدمها نفس أساتذة الجامعة وبأسلوب أفضل من تدريسهم في الجامعة مع ضمان استيعاب الطالب لمقرر المادة واجتيازه اختبارات المادة المسجل فيها رسمياً بجامعته.
هي ظاهرة قديمة ولكنها كانت محدودة لعدد بسيط جداً من الطلبة الذين يعانون صعوبات تعلم أو صعوبات في فهم واستيعاب بعض المواد العلمية مثل الرياضيات والإحصاء والكمبيوتر وغيرها. أما اليوم فأصبحت الدروس الخصوصية الجامعية ظاهرة تكاد تكون رسمية لجميع التخصصات، حيث كانت مخصصة للهندسة والطب أما اليوم فأصبحت حتى للمواد النظرية. وهي ظاهرة تعاني منها جميع الجامعات العربية وعلى وجه الخصوص كليات الطب والهندسة، وتصل تكلفة الطالب في الدروس الخاصة لطلبة الطب إلى خمسة آلاف دولار للمادة في الفصل الدراسي وأربعة آلاف دولار لطالب الهندسة في المادة في بعض دول الخليج بما فيها المملكة على وجه الخصوص، وكانت الدروس الخصوصية في الماضي يتم التعامل معها سرياً أما اليوم فأصبحت علناً.
وكما يروي لنا أحد الطلبة في الدروس الخصوصية أن الدكتور الذي يقدم الدروس الخصوصية هو نفس الدكتور الذي يقدم الدرس لنفس المادة في الجامعة. إلا أن أسلوبه وطريقته مختلفة جداً في التدريس. أما الظاهرة الثانية هي ظاهرة المكاتب المتخصصة في كتابة البحث العلمي أحد متطلبات التخرج في بعض التخصصات العلمية الجامعية، أو إعداد بعض الدراسات المطلوبة من الطلبة في بعض المواد. ونظراً لعدم تعلم الطلبة كيفية إعداد الأبحاث والدراسات العلمية في الجامعة؛ يلجأ الميسورون منهم إلى بعض المكاتب المتخصصة التي يديرها بعض الأساتذة الباحثين لكتابة الأبحاث عن الطلبة وبطرق احترافية علمية تتفادى المراقبة البحثية للأبحاث المسروقة والمنقولة التي كانت مستخدمة قديماً، وتصل تكلفة إعداد أبحاث التخرج إلى خمسة آلاف دولار، والدراسات والأبحاث الصغيرة إلى عشرة وخمسة عشر ألف ريال. أصبحت كتابة الأبحاث وإعداد الدراسات سوقاً رائجاً في الجامعات الحكومية والخاصة ودخلاً جذاباً للقائمين عليها ومخرجاً للنجاح والتفوق للطلبة في الجامعات. نعم هذا هو الواقع ويصعب إنكاره. ورغم أنني لست ضد التعليم من خلال الدروس الإضافية إلا أنني ضد التجارة في التعليم من قبل أساتذة الجامعات الحكومية والخاصة. وأنا لا أتهم الجامعات بالإهمال في المراقبة والمتابعة وأنا أمثل إحدى الجامعات الأهلية التي تعاني من نفس المشكلة، إلا أنني أطرح بعض الحلول التي شرعتُ التخطيط لتنفيذها، وهي أولاً: إعداد برنامج تقييم وتطوير لأداء أساتذة الجامعة لمعرفة أوجه القصور في تدريسهم وفي عملية التواصل بينهم والطلبة. ثانياً: وضع برنامج (للدروس الإضافية) في خارج إطار البرنامج التعليمي اليومي في الجامعة شريطة أن يكون تحت إشراف الجامعة أو الكلية وداخل الجامعة مقابل رسوم بسيطة، وبالإمكان أن يخصص للدروس الإضافية بعض من الساعات المكتبية المقررة على كل دكتور جامعة، شريطة أن تكون بمكافأة إضافية مقنعة للدكاترة أو الأساتذة الجامعيين. وإذا كان العدد محدودا جداً بالإمكان أن تكون هذه الدروس في داخل مكاتب الدكاترة خلال الساعات المكتبية الأسبوعية وفي غالب الأحيان قد لا تحتاج الدروس الإضافية إلى الاستعانة بالدكاترة ويكتفى بالمعيدين أو المحاضرين للقيام بالدروس لتقوية الطلبة الراغبين؛ شريطة أن يصدر مدير الجامعة لائحة جزاءات حازمة على الدكاترة الذين يقدمون الدروس الخصوصية الجامعية خارج نطاق الفصول الدراسية في الجامعة، وإلا ستصبح الدروس الخصوصية الجامعية مثل بعض الدول المجاورة هي الأساس للنجاح.
أما تجارة الأبحاث والدراسات العلمية فهي تجارة رابحة لن نستطع محاربتها إلا بطريقين، الأولى: معالجة الخلل في الدراسات الجامعية، وعلى وجه الخصوص في طرق تدريس المادة الخاصة بتعليم كتابة البحث العلمي. وهي مادة مهمة جداً تحتاج إلى متخصصين لتعريف وتعليم وتطوير الطلبة لكتابة أبحاثهم مستعينين بالمكتبة المركزية وبقواعد البيانات والمعلومات المتاحة في المكتبة الإلكترونية، بالإضافة إلى عدم الاكتفاء بتصحيح البحث وإعطاء درجته وإنما ربط النجاح بشرط مناقشة نتائج البحث أمام الدكتور والطلبة. إن أهم معاناة يعانيها طلبة الجامعات هي كيفية إعداد بحث علمي وطرق البحث عن المعلومات والبيانات من قواعد البيانات الإلكترونية.
إن قضية تجارة الدروس الخصوصية والأبحاث العلمية أخذت تتزايد وتتضخم بعد أن أقفلت وزارة التعليم العالي مكاتب تمثيل الجامعات الوهمية التي كانت تقوم بإعداد رسائل الماجستير والدكتوراه لعملائها. وأصبحت بعد المنع تعاني من كساد في العمل وتوجهت لطلبة الجامعات بالتعاون مع بعض الدكاترة والأساتذة داخل الجامعات.. فهل تستطيع الجامعات الحكومية والأهلية التعاون بإشراف وزارة التعليم العالي لوضع نظام ولوائح مرتبطة بجزاءات صارمة لمحاربة تجارة الدروس الخصوصية وتجارة الأبحاث والدراسات خارج إطار الجامعات؟