الغرب يريد من المشرق العربي أن يكون ضمنه إستراتيجياً ومادياً، ولكن يحرمه أن يكون ضمنه تقدماً وحضارةً، كما يفعل مع تركيا، رأس حربته في المنطقة.

فارس هي جزء من المنطقة إستراتيجياً وحضارياً؛ ولذلك فالغرب يسعى بتحجيم انتمائها الثقافي للمنطقة، بالطرح المذهبي، وتعميقه. فارس بنفس الوقت، تستنهض المعطيات النضالية في ثقافة المنطقة، في صراعها مع الغرب.

الأصوليات الدينية في المنطقة ليست مرضا بحد ذاتها وإنما هي عرض لمرض الفراغ والفلتان الإستراتيجي في المنطقة.

تمت التعمية على حقيقة جوهر صراع المحاور في المنطقة، وتغليفه بالطائفية أو المذهبية، من أجل حشد الأنصار لهذا المحور أو ذاك.. التحفيز الطائفي والمذهبي الرسمي المعلن منه والسري، خلق أصوليات استماتت لمثل هذا الطرح، واعتبرت نفسها الأجدر من غيرها بإدارته من السياسيين الرسميين، حتى الذين أوجدوها ونفخوا فيها بادئ ذي بدء.

الأصوليات المتطرفة تمزق المنطقة إلى طوائف وشيع، هذه الطوائف تعتقد بأنها توحد المنطقة تحت ما تسعى واهمة إليه، من إحياء الخلافة الإسلامية من جديد، بسبب جوهرها الإقصائي وإمكانياتها الضعيفة الفكرية والمادية، تحرمها من رؤية المشهد الإستراتيجي المحلي والإقليمي والدولي. مع كون الأصوليات هي آخر من يوحد المنطقة، فمشروعها ـ إذا كان لها مشروع ـ هو تقسيم المنطقة وتفتيتها، كما ذكرنا لطوائف وشيع، حيث كل أصولية انقسمت على ذاتها فانشطرت وولدت أصوليات أخرى، تتنازع الشرعية الدينية مع الأصولية الأم. فانتزاع الدين من خارج إطاره العام، كونه غطاءً للمصالح العامة، يتحول إلى مقسم ومشرذم، لأي مجتمع يحل فيه.

ظهرت حركات ثورية نضالية ضد إسرائيل، منها الفلسطينية ومنها العربية المرتبطة والمنسقة معها. "فتح" تنازلت وتنازلت، وستتنازل، بفضل ارتباطها بمحور الروم.. "حماس" عندما كونها جزء من تنظيم الإخوان العالمي، والذي مقره في جنيف، والذي كذلك ينسق من الغرب، والذي كذلك يحكم تركيا؛ خرجت من سورية، واتكأت على محور الروم، وهذا لن يجعلها تقع في نفس الفخ الإستراتيجي الذي وقعت به منظمة فتح؛ ولذلك فهي ستتنازل وتتنازل، عن مبادئها الثورية الواحد بعد الآخر؛ كونها ارتمت بحضن محور يعتبر نفسه في صراع مع إسرائيل، وإنما منازع لها، فهي بطريقة أو أخرى جزء من المحور الرومي في المنطقة.

في يوم الثلاثاء 7 مايو، هجمت الشرطة الإسرائيلية على مصلين فلسطينيين قدموا للمسجد الأقصى، لمنع شرذمة من الصهاينة من الدخول إليه؛ وبنفس الوقت، وفي غزة هجمت الشرطة الحمساوية على مظاهرة واعتصام للجبهة الشعبية لإدانة الهجوم الإسرائيلي على سورية، وفرقتهم بالهروات وحجزت بعضا منهم. وهذا دليل على أن حماس بدأت تتخلى عن دورها النضالي، ليس ذلك فقط، ولكن أيضاً تقمع التجمعات وبعض الحركات النضالية الفلسطينية في غزة، لاعبة بذلك دور شرطة فتح في الضفة الغربية، عندما كانوا في غزة يقمعون كوادرهم.