باتت الاستعانة بالكهنة والعرافين إحدى وسائل لصوص الآثار، فيما تنشط شركات أجنبية في تسويق أجهزة الاستشعار الخاصة بكشف مواقع الكنوز الأثرية، عبر شبكة الإنترنت، معلنة أسماء وهواتف مندوبيها داخل المملكة.

انتهاكات الآثار التي تزايدت في المواقع الأثرية شمال المملكة، بحسب هيئة السياحة، ساهمت في ترويجها قصص وهمية يتناقلها البعض عما جنوه من أموال جراء بيعهم لقطع أثرية، الأمر الذي تجاوز العبث بالمواقع الأثرية إلى نبش المقابر.

وفيما أعلنت هيئة السياحة في وقت سابق، عن أبرز المواقع التي تعرضت للتعديات، مازال نحو 90 ألف موقع أثري خالياً من الحماية.

وأرجع مختصون في الآثار، أسباب السرقة والاتجار بالآثار؛ إلى نظام الآثار الصادر عام 1393 الذي يتضمن فصله الرابع "تجارة الآثار" والخامس "تصدير الآثار" مشرعا بذلك هذه التجارة وتصديرها خـارج المملكة.

وأوضح مدير جامعة حائل الدكتور خليل المعيقل، في منتدى خاص بالآثار نظم مؤخراً بالجوف؛ أن وجود هذه النصوص النظامية ساهم في تنامي السوق السوداء للآثار وسرقة المواقع الأثرية.




في تطور جديد، يلجأ لصوص الآثار حاليا للكهنة والعرافين وأجهزة تقنية حديثة، بعد تناقل قصص وروايات عن بيع قطع أثرية بملايين الريالات، وتستغل شركات أجنبية ذلك بتسويق أجهزة استشعار وكشف عن الكنوز الاثرية، إضافة إلى كتب يزعم أنها تفك الرموز والنقوش الأثرية. وتستخدم الشركات المصنعة مواقع على شبكة الإنترنت، تعرض من خلالها أصناف الأجهزة، وأسماء مندوبيها في الداخل والخارج، وتشتهر هذه الأجهزة في أوساط سارقي الآثار، كونها أحد أدوات ضعاف النفوس لسرقة الآثار، ولارتفاع أسعار هذه الأجهزة راج تأجيرها.

وسجلت مواقع أثرية بالمملكة حالات سرقة، واتجه البعض لنبش القبور غير الإسلامية لاعتقادهم بأن ثروات وأموال المتوفى قبل الاسلام تدفن معه، ويصل عدد المواقع الأثرية في المملكة إلى100 ألف موقع، تقوم الهيئة بتأمين 10 آلاف موقع بعدما تم تسويرها، فيما يظل الباقي عرضة لضعاف النفوس.

وأعلنت الهيئة العامة للسياحة والآثار في وقت سابق، عن أبرز المواقع التي تعرضت للتعديات ومنها القلعة الإسلامية في الحجر بالعلا، والمنطقة الملاصقة لمباني سكة الحديد في ذات الموقع والقصور الأموية بالمندسة شمال المدينة المنورة، ومباني سكة حديد الحجاز، ومعبد روافة شمال غربي تبوك، وقلعة المعظم، والمقابر النبطية، وكنز بحري بالقرب من "الشعبية" على البحر الأحمر.

القلاع العثمانية

وأكد مسؤول قطاع الآثار بالهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور خالد سكوبي لـ"الوطن"، لجوء المعتدين على المواقع الأثرية لطرق منها الاستعانة بالكهنة، وأجهزة كشف عن المعادن، مبينا أن أكثر المواقع الأثرية التي تتعرض لمحاولات سرقة تقع في شمال المملكة، خاصة في حائل والعلا، وأن القلاع العثمانية تعد الأبرز تضررا.

وأوضح سكوبي، أن عدد السرقات الأثرية انخفض حاليا مقارنة بسنوات مضت، مشيرا إلى برامج توعية وتحفيز تنتهجها الهيئة، ومنها بث رسائل توعية عن قيمة الآثار التاريخية، وأهمية المحافظة عليها ويتم بالشراكة مع وسائل الإعلام، وتكريم من يعيدون القطع الأثرية.

فيما قال مصدر مطلع لـ"الوطن"، إن منطقة حائل سجلت خلال العام الماضي31 حالة تعد وسرقة للمواقع الأثرية بالمنطقة، منها موقع جبة والشويمس، والجاري تسجيلهما بقائمة التراث العالمي لليونيسكو، وبلغ أيضاً عددالقبور المنبوشة20 قبرا.

"ثغرات النظام"

ومن جانبهم، أرجع مختصون في الآثار، أسباب السرقة والاتجار بالآثار إلى نظام الآثار الصادر في عام 1393 الذي يتضمن فصله الرابع "تجارة الآثار" والخامس "تصدير الآثار" مشرعا بذلك هذه التجارة وتصديرها خارج المملكة.

وأوضح مدير جامعة حائل الدكتور خليل المعيقل في منتدى خاص بالآثار نظم مؤخراً بالجوف -حضرته "الوطن"- أن وجود هذه النصوص النظامية ساهم في تنامي السوق السوداء للآثار وسرقة المواقع الأثرية، حيث شكلت هذه السوق المغذي الأساسي للتجارة النظامية، وتهريب الآثار للمملكة من دول مجاورة مثل اليمن والعراق والأردن ومن دول بعيدة مثل أفغانستان وإيران.

واتفق الدكتور المعيقل، ونائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار الدكتور علي الغبان في ذات الندوة على أن نظام الآثار الجديد والمتوقع صدوره قريبا مازال يضم ثغرات، منها كثرة التداخلات بين هيئة السياحة وجهات حكومية أخرى، لافتا إلى أن هيئة السياحة والآثار قدمت مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحماية الآثار بميزانية 5 مليارات، وأن اعتماده بالمراحل النهائية ويشمل العناية بالمتاحف وبالمباني التاريخية وقصور الدولة الأثرية.

الرحالة الأوروبيون

وذكر نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن سرقات وتهريب الآثار من البلاد بدأت في القرنين 19 و20 الماضيين مع توافد عدد من الرحالة الأوروبيين كانوا على دراية بالآثار وقيمتها، ومنهم الرحالة الفلندي جورج أوقست وألن وصل عام 1848، والإيطالي كارلو جورماني في عام 1864، والإنجليزي شارلز داوتي في عام 1877، والفرنسي شارل هوبر في عام 1884، والتشيكيي أوليس موزيل والإنجليزي هاري سانت جون فليبي عام 1910، مبينا أنهم قاموا بنقل الآثار للخارج.

وأشار إلى تقديمه لدليل المعرض الأول للآثار المستعادة، الذي أصدرته هيئة السياحة والآثار حديثاً -حصلت "الوطن" على نسخة منه - مبينا أن مسلة تيماء تعد من أشهر القطع الاثرية التي أخذها الرحالة، ووصفها الرحالة الألماني أوينتج بأنها أغلى غنيمة حصل عليها من رحلته، وبعد مقتل رفيقه الفرنسي هوبر أوصلت المسلة من قبل القنصل الفرنسي بجدة آنذاك.

وأورد نائب رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار، أن العديد من موظفي الشركات الأجنبية وخاصة العاملة في مجال النفط، بعد أن قاموا بجولات ميدانية متفرقة بالمملكة ،لإجراء دراسة جيولوجية الأرض، وصاحب ذلك التقاطهم للآثار وكانت في متناول اليد، والاحتفاظ بها في مجموعات ومن ثم السفر بها إلى بلادهم عند انتهاء عقودهم، وأن بعضهم قام بإهدائها إلى متاحف بلدانهم الأصلية، وحدد منها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وأميركا.

عبث بالتاريخ

إلى ذلك، أكد عميد كلية الآداب والفنون بجامعة حائل الدكتور فهد الحواس، أن سرقة الآثار جريمة، وعبث بالتاريخ، والحفاظ عليه من التعدي يعتبر واجبًا وطنيًا، كونه يمثل جانبًا مهمًا من تاريخ بلادنا، منوها أن الآثار تعد رافدا اقتـصاديا هاما، تزيد من الناتج المحلي، والعبث بها يعد إهدارا لمورد اقتصادي مهم، مشددا على أن سرقة الآثار محليا ترتبط بمافيا لتجارة الآثار عالمـيا، موضحا أن الجهل وعدم معرفة قيمة الآثار هو ما يدفعهم إلى ذلك.

وقال عميد كلية الآداب والفنون، أن سن تشريعات جديدة أصبح ضرورة لحماية الآثار من التعدي والسرقة وضمان عدم المساس بها، والعمل على توعية المجتمع بأهمية الآثار وقيمتها، بإقامة برامج متخصصة، داعيا إلى تضمين المناهج الدراسية مقررات دراسية عن الآثار والمحافظة عليها.