رفض الناقد والشاعر محمد الحرز إطلاق بعض الدارسين والكتاب لمسمى "أدب الطائفة" على المنتج الأدبي الذي يمثل ثقافة ومعارف الأقليات في مختلف دول العالم. وقال في محاضرة بنادي نجران الأدبي مساء أول من أمس تحت عنوان "الكتابة وخطاب الهويات" أدارها الكاتب إبراهيم سنان: مصطلح أدب الطائفة يحمل دلالات وإيحاءات سلبية في الذاكرة العربية، وهو ليس دقيقا، والأصح هو أن نطلق عليه أدب الأقليات. وأضاف "أدب الأقليات من المسكوت عنه وخصوصا أدب ما بعد الاستعمار، ومشكلته أن البعض ينظر له بعين عقائدية لا عين جمالية، مع أنه أبرز كاشف لهويات هذه الأقليات".
وكان الحرز بدأ ورقته بعرض تاريخي عن علاقة الكتابة بالهوية والأيديولوجيا ركز فيها على الزوايا المهمة لفعل "المقاومة" في الكتابة الإنسانية. وتحدث عن علاقة "الحجر" بالإنسان العربي قبل الإسلام قائلا "يعتقد الجاهلي بقداسة الحجر لاقتران ذلك في ذهنه بقوة المقاومة التي تتصف بها كتابات الحجر ضد قسوة الزمن وضغطه". ثم أسهب في إيراد ملامح المقاومة في الأدب العربي والغربي ومنها "بروز أشكال كتابية تعبر عن حياة الكادحين والمحرومين على يد بديع الزمان الهمداني في مواجهة الكتابة الرفيعة التي ارتضتها السلطة". ثم انتقل إلى ملامح من "أدب المقاومة" الذي أنتجته الأقليات التي وقعت تحت حكم الغرب المستعمر. ليصل إلى أن "الكتابة بوصفها فعل مقاومة شكلت الإطار الجامع بين الحضارتين الإسلامية والغربية على الرغم من تباين السياقات الثقافية والفكرية والدينية لهما" وأن ما يميز الكتابة في الحضارة الإسلامية أنها "تأتي ضد هيمنة السلطات السياسية والاجتماعية والدينية".
وبعد انتهاء الحرز من طرح ورقته أحال إبراهيم سنان الأمسية إلى حوار شامل حول بعض طروحات الضيف "خارج الورقة" ـ مما عرضه لنقد بعض الحاضرين، حيث تطرق سنان إلى عدة قضايا منها رؤية الحرز حول السجال المذهبي فرد المحاضر "السجال فعل غير مجد ثقافيا، لأن كل طرف يريد الذهاب بالآخر إلى منطقته الفكرية وبالتالي سنبقى في دائرة مفرغة، والحل هو التحول إلى الحوار الهادئ الذي يفضي إلى التعايش والتفاعل الفكري البناء". وفي إجابته على سؤال حول أن شعره هو صوت الجماعة والمجتمع قال الحرز "يمكنني أن أفسر الأمر بأنه أشبه بالحماية للذات، حماية اجتماعية وسياسية، لأن المجتمع المحيط قد يفرض عليك كمبدع أن تكون صوته، ولكن يمكن أن يمرر المبدع ما يريد قوله هو، من خلال صوت الجماعة". ودعا الحرز إلى تطوير آلية عمل المؤسسات الثقافية ومحاولة دمج المؤسسات الخيرية الاجتماعية في إطار المؤسسة الثقافية بشكل لا يخرجها عن دورها الأساسي "الثقافي" ولكن يقربها من المجتمع كما تفعل الشركات الكبرى كـ"ارامكو".
وشهدت المحاضرة عدة مداخلات منها مداخلة لصالح الحارثي الذي دعا الحرز لتطوير المحاضرة إلى كتاب أشمل وأعمق في موضوعها. ولفت عبدالله آل عباس النظر إلى أهمية الكتابة والنطق الصحيح لكلمة" الهُوية". أما صالح زمانان فأكد على أن الكتابة "على غير الحجر" موجودة في الجاهلية واستشهد بأن ورقة بن نوفل كان "وراقا". فرد عليه الحرز بأن هذا الأمر صحيحا لكنه نادر.
أما صالح سدران فتساءل عن أسباب "الإخفاق" العربي في تشكيل هوية موحدة؟ فأيده المحاضر وبرر ذلك بسيادة "الهويات القبلية والطبقية والطائفية". بدوره تساءل يحيى آل صمع عن "غياب هوية وثقافة الخليج العربي" فرد الحرز بأن مفهوم الخليجي هو مصطلح جغرافي استعماري فقط، والهوية الثقافية تنبع من التاريخ الذي لا يعترف بالجغرافيا السياسية.