كثير من المواطنين والمواطنات قد يجهلون الدور الحقيقي لديوان المراقبة العامة، وحتى الجهات الحكومية نفسها التي تخضع لرقابة الديوان تعتقد أن أعماله محصورة في المراجعة المالية وفحص المستندات وجرد الصناديق والتفتيش على المستودعات والمشاركة في أعمال الحساب الختامي فقط!

وفي السنوات الأخيرة بدأ يظهر جزء من ملاحظات الديوان على الجهات الحكومية في الوسائل الإعلامية، الأمر الذي أثار العديد من الأسئلة حول طبيعة الرقابة التي يمارسها الديوان وعن نتائجه وتقاريره وملاحظاته، وليس هذا فحسب بل تفاجأ البعض في وجود ملاحظات جوهرية على العديد من المشاريع والبرامج والأنشطة الحكومية، في حين اعتقدوا أن الرقابة الحكومية تكاد تكون غائبة وليس لها أي دور يذكر.

فعلى سبيل المثال تساءل البعض عن دور الديوان، أو بمعنى أصح أين الديوان عن ضعف بعض مشاريع البنية التحتية التي كشفتها الأمطار الغزيرة التي هطلت في بعض مناطق المملكة مؤخراً؟ جازمين بأن الديوان لم يفعل شيئاً حيال ذلك، ولكن يا ترى ما هي ردة الفعل لو اكتشف هؤلاء أنه في الواقع قد لاحظ الديوان على هذه المشاريع ورفع تقريراً بشأنها إلى الجهات المختصة؟ بالتأكيد سوف يتساءل الجميع: أين ذهبت هذه التقارير وماذا حصل لملاحظات الديوان؟

لا ألوم الناس وكذلك الجهات الحكومية في عدم إدراكها طبيعة دور الديوان الرقابي بقدر ما ألوم الديوان نفسه الذي غلف أعماله وأنشطته بالسرية التامة والصمت المطلق، وبالتالي لا أحد يعلم كيف يتم التعامل مع ملاحظات الديوان ولا إلى أين تذهب تقاريره؟

قد يكون للديوان أسبابه في عدم نشر تقاريره ونتائج مهامه الرقابية، ولكن في ظل ارتفاع سقف الوعي الاجتماعي في الوقت الحاضر بأهمية الرقابة ومكافحة الفساد المالي والإداري، أصبحت هناك ضرورة ملحة في وجود شفافية أكثر في نشر النتائج الرقابية والمساءلة الحكومية، فإذا كنا نطالب بوجود هذه الشفافية في الجهات الحكومية التنفيذية والخدمية، فمن باب أولى وجود شفافية أيضاً في الأجهزة الرقابية الحكومية التي تراقب هذه الجهات، هذا إذا أردنا بالفعل تفعيل الأداء وتفعيل ملاحظات وتوصيات الديوان.

لديوان المراقبة رسالة عظيمة وهو بلا شك يعتبر الجهاز الأعلى للرقابة في الدولة وسرية تقاريره تؤدي إلى فقدان ملاحظاته وتوصياته أهميتها وجدواها، وبالتالي لا تجد طريقها للتنفيذ، والسؤال المطروح هنا: كيف نجعل من ملاحظات الديوان ذات أهمية وجدوى، ونضع حداً للمخالفات والانحرافات ومحاسبة المقصرين وفق الأنظمة والقوانين؟

والإجابة عن السؤال السابق هي بكل بساطة تكمن في نشر النتائج الرقابية وملاحظات الديوان على عامة الناس، وبالرغم من بساطة هذه الفكرة نظرياً إلا أنه يصعب تطبيقها على أرض الواقع، وذلك بسبب الثقافة الإدارية السائدة، بالإضافة إلى وجود بعض الاعتبارات الأخرى تتعلق بطبيعة العمل الحكومي لا مجال لذكرها هنا، ولكن إذا علمنا أن بعض المسؤولين في الأجهزة الحكومية لا يعيرون أي اهتمام لتقارير وملاحظات الديوان، وبالتالي عدم اعتبارها مؤشراً على الخلل والانحراف، أعتقد حينها ستظهر أهمية نشر الملاحظات والمخالفات على الرأي العام.. كيف؟

نشرت الصحف المحلية في العام الماضي أهم الصعوبات التي تواجه الديوان في ممارسة اختصاصاته، التي من أبرزها ما يلي:

• تحيل الأجهزة الحكومية ما يبديه الديوان من ملاحظات وما يكشفه من مخالفات إلى الإدارة المخالفة للرد عليها مباشرة للديوان، دون إطلاع الوزير على مضمون الرد وأسباب المخالفات، حيث تحاول الإدارة المخالفة تبرير تلك المخالفات وتأويل الأنظمة والتعليمات لتأييد موقفها، والسعي لإطالة أمد البحث من خلال اللجان وتعدد المكاتبات.

• إحالة ما يرفعه الديوان من مخالفات إلى لجنة برئاسة الجهة محل الملاحظة ويستغرق البحث عدة سنوات دون الوصول إلى نتائج تذكر، بسبب امتناع ممثلي الأجهزة التنفيذية عن تأييد ملاحظات الديوان وتوصياته بشأن أجهزتهم، وبالتالي يظل الأمر محل أخذ ورد دون حسم.

• معاملة التقارير السنوية للديوان عند الدراسة والمناقشة والتحليل معاملة التقارير السنوية للأجهزة التنفيذية، وذلك لأن أعضاء لجان الدراسة والمناقشة هم من موظفي الأجهزة الحكومية المخالفة.

• عدم تعاون بعض الجهات الحكومية الخاضعة لرقابة الديوان في تقديم المستندات والبيانات والمعلومات التي تتطلبها أعمال الرقابة وتأخرها في التجاوب مع ما يبديه الديوان من ملاحظات.

وبناءً على ما سبق، ونتيجة للأسباب سالفة الذكر، نجد من الطبيعي أن تذهب تقارير الديوان أدراج الرياح دون مساءلة للجهات الحكومية التنفيذية، وبالتالي عدم المبادرة في معالجة ملاحظات الديوان والاستمرار في تكرار المخالفات، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى أن يصاب المواطنون بردة فعل سلبية تجاه الأمل الذي منحوه للأجهزة الرقابية، ناهيك عن وجود رقابة سيئة الفهم والتفسير.

لذا قد يتفق معي القارئ الكريم على أهمية اطلاع المواطنات والمواطنين على النتائج الرقابية وكيفية أداء الديوان لأعماله وتنفيذه للمهام الرقابية، بالإضافة إلى فتح قنوات للتواصل بين الديوان والناس عن طريق استقبال مقترحاتهم وشكاواهم وآرائهم حول خطط الديوان وأعماله وملاحظاته عن طريق البريد الإلكتروني ورقم هاتف مخصص لذلك، وصندوق للشكاوى والمقترحات.

ويمكن للديوان جذب انتباه الناس لعمله، عن طريق إصدار نشرات وكتب وأفلام فيديو تتعلق بأنشطته، واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الإنترنت مثل (تويتر، فيسبوك)، ولا ننسى أهمية دور الإعلام الذي لا يمكن تجاهله في إيصال رسالة الديوان إلى الناس بشكل واضح ومفهوم، وليس هذا فحسب بل وفي إيصال نتائج الرقابة إلى المواطنين من خلال تحويل المصطلحات الرقابية المتخصصة غير المفهومة إلى لغة واضحة وميسرة للجميع، بالإضافة إلى أن العمل المشترك بين الجهاز الرقابي والمواطنين ومؤسسات المجتمع تعمل على تطوير المساءلة والشفافية وتعتبر من الخطوات الأساسية في الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد.