مساحات خضراء تتخللها ألوان زاهية من الورد، وتعطي من يراها نظرة للحياة وللأمل يغلفها إحساس العافية، وحدائق مصغرة يفترشها الكثيرون للانتظار ونظراتهم للمكان تحكي قصصا لا تنتهي وأوجاعا مجتمعة في الجسد والروح هذا هو الحال في مستشفى الملك فيصل التخصصي في العاصمة الرياض.
سيدات ورجال من جميع الأعمار يفترشون هذه المساحات الخضراء يشاركون فيها السائقين من الجنسيات الأجنبية وهم ينتظرون عودة من معهم ولكل منهم قصته الخاصة والتي يحتويها بصمته، أو لعله يتقاسم وجعها بالحديث مع من يشاركه جلسته.
"الوطن" كانت هناك في محاولة أن تتقاسم هذه القصص مع أصحابها رغم تحفظ الكثيرين من الحديث وخوفهم من المشاركة، إلا أنها تجاوزت عقبة الخوف بالسؤال المكرر، لأم محمد التي كانت تجلس وحيدة بجانب مجموعة من الورد ولكن نظراتها كانت مرتكزة إلى كيس الأدوية الذي تحمله بيدها وعيناها تنطق بالكثير.. اقتربنا منها بهدوء وبدأنا بالسلام فتحولت نظراتها إلى ارتياب بسبب هذا الاقتراب المفاجئ لها، قبل أن نخبرها أننا صحفيون.
وتقول أم محمد باقتضاب شديد إنها من الشمال وتسكن الرياض منذ أسبوع لمراجعتها وزوجها في المستشفى، وإنها الآن تنتظر زوجها الذي مازال ينهي بعض الإجراءات بداخل المستشفى.
وفي مقابل أم محمد كان عبدالله يحمل هاتفه بين يديه ومن خلال حركة أصابعه يتضح بأنه كان يكتب رسالة ما لمن يحاوره ويقول عن أسباب وجوده إنه قادم من اليمن لمراجعة تخص ابنة أخته التي تعاني من مرض في القلب وهي الآن مع والدتها لمراجعة الطبيب، وتابع "كنت معهم منذ الصباح الباكر وخرجتُ لطمأنة الأهل في اليمن وسأعود لهم مرة أخرى".
أبو عبدالعزيز الذي كان يجمع بقايا جلسته التي شاركته فيها والدته ووالده وهما يغادران المكان وقد توسدت الأم كتف زوجها في طريقهما لبوابة المستشفى، رد بعجل على سؤالنا بأنه قادم من القصيم لإجراء الأشعة لوالدته وهم متواجدون منذ الصباح الباكر في انتظار الموعد.
وكانت لأم ريم قصتها الأكثر تأثيراً وهي تتحدث بهمس على هاتفها النقال، قبل أن توضح لـ"الوطن" سبب وجودها لتروي قصة ابنتها ريم التي تعاني من سرطان في الدم، وتقول إنها الآن ترقد في غرفتها، في حين تحاججت هي بانتظار والدها بعد أن بقيت منذ الصباح تتنقل في جناح التنويم حتى وصلت إلى هنا، مشيرة إلى أنها تجد راحتها في المشي لتخفف عنها رؤية أوجاع ابنتها.
وتضيف أنها من سكان جدة لكنها انتقلت إلى الرياض لظروف عمل زوجها منذ ثلاث أعوام حينما كانت ريم تتمتع بالعافية ولا تشكو من أي عارض مرضي حتى تلقت اتصالا من مدرستها تخبرها أنها تعرضت لحالة إغماء وعند مراجعة الطبيب اكتشف أنها تعاني من سرطان في الدم، وتابعت ريم القصة بدموع لتردد باستمرار "الحمد لله الحمد لله " وتقول إنها ريم، تدرس في الصف الرابع الابتدائي، إنها كانت كثيرة الحركة نشيطة محبة للحياة أما الآن فالعلاج الكيميائي أرهقها كثيراً وأصبحت وكأنها في المئة من عمرها بعد أن زاد وزنها أيضاً وأصبحت قليلة الحركة.
تركنا أم ريم بعد أن وصل زوجها وكان دعاؤها لنا لا يفارقها وطلبها بالدعاء لابنتها لا ينتهي.. غادرنا المكان لتنتهي جولتنا في ذلك النهار الذي احتوينا فيها القليل فقط من قصص الكثيرين الذين كانوا حينها يخرجون ويدخلون من أبواب المستشفى وهم يحملون أوراق المواعيد وأكياس الأدوية وأحاديث نفس لا تنتهي.