فقدت الأحساء سبعة من أبنائها خلال الأيام القليلة الماضية نتيجة لتفشي فيروس كورونا الذي بدأ في أحد مستشفيات المنطقة، وما زالت هناك ست حالات تخضع للمراقبة، حسب ما صرحت به وزارة الصحة لصحيفة الوطن البارحة.

التفشي الحالي، كما أسمته وأعلنت عنه منظمة الصحة العالمية، هو الأول منذ ظهور المرض العام الماضي، فبعد أن كانت هناك حالات مرصودة متفرقة حول العالم وفي المملكة، قفز العدد مباشرة لـ 13 حالة خلال أسبوع واحد.

ما أسباب هذا التفشي؟ ولماذا الأحساء؟ وما أنظمة الترصد المستخدمة لرصد هذا الفيروس؟ وما مدى فاعليتها؟ ولماذا لم تفلح في الإنذار المبكر قبل حدوث التفشي؟.. وأسئلة أخرى مهمة وحيوية نحن بانتظار إجابتها، ونتفهم عجز وزارة الصحة الحالي عن الإجابة عنها، إما لديناميكية التفشي الحالي، أو لأن الإجابة ستكشف تخاذل الوزارة الذي تكرر في تقارير صحفية دولية عديدة، وأشار إليه عدد من المستشارين السابقين لمنظمة الصحة العالمية.

سنضع هذه الأسئلة جانبا وسنعود لها في القريب العاجل، أو لعل الوزارة تقوم بتصحيح مسار تعاطيها الاتصالي مع التفشي، وتبدأ بالمادة الأولى من دليل منظمة الصحة العالمية الخاص بالتواصل مع الجمهور في حالات التفشي.. وهي بناء وصيانة واستعادة الثقة.

هناك فرق شاسع بين التصريح بالشفافية وبين ممارستها على أرض الواقع، فتصريح وزارة الصحة الأول عن التفشي لم يذكر أنه تفشٍ، واكتفى بأنه تم رصد سبع حالات وتوفي منها خمس، ومن ثم تبعه بيان منظمة الصحة العالمية الذي ابتدأ بكلمة "تفشٍ" .. وهنا كان الشرخ الأول في الثقة بوزارة الصحة وشفافيتها.

وفي أقل من 24 ساعة قامت منظمة الصحة العالمية بإصدار بيان إلحاقي بوجود ثلاث حالات جديدة في حالة حرجة، منها اثنتان من نفس العائلة، أما بيان وزارة الصحة الإلحاقي فقد تم إصداره بعد خمسة أيام من التصريح الأول، أي بعد أربعة أيام من تحديث المنظمة، وهو ما يعكس ضعف التزام الوزارة بالبروتوكلات الاتصالية في حالات التفشي الخاصة بالجمهور، فقد أبلغت المنظمة وتناست التصريح للمواطنين ووسائل الإعلام.. هذا التخبط الاتصالي بدا واضحا في تعدد المتحدثين بوزارة الصحة عن التفشي، فهنا تصريح من المتحدث الإعلامي لصحيفة، وهناك تصريح من وكيل الوزارة للصحة العامة لقناة فضائية، وأخيرا مؤتمر صحفي مغلق بقيادة نائب الوزير تقدم فيه تحديثات قديمة ولا تجيب عن أسئلة المواطنين وقلقهم.

هذا القلق مسوغ، وخصوصا بعد ما ذكرته "صحيفة اليوم" في عددها الصادر أمس عن وفاة الطفلة ضحى، الطالبة في المدرسة الـ 25 الابتدائية بفيروس كورونا، وهو ما لم تؤكده وزارة الصحة ولم تنفه.

وفي خلفية هذه الفوضى الاتصالية من الوزارة مع المواطنين ووسائل الإعلام، كان وما زال وكيل الوزارة للصحة العامة يزود الجمعية الدولية للأمراض المعدية بالتحديثات المستمرة عن طريق برنامج ترصدهم الإلكتروني عن طريق الإنترنت، لتبدع وسائل الإعلام الأجنبية بتقاريرها المفصلة والمحدثة عن الحالات ووضعها ومكانها، وصحفي سعودي بصحيفة محلية ما زال يحدق بفاكسه انتظارا لرد المتحدث الإعلامي على أسئلته.

هذا التواصل الشفاف الانتقائي من وزارة الصحة السعودية مع جمعية مهنية عالمية غير ربحية (جمعية أهلية صحية) أثار العديد من التساؤلات من قبل المجتمع الدولي الطبي والإعلامي عن دوافعه، وخصوصا أن الوزارة امتعضت سابقا من تواصل البروفيسور علي زكي مكتشف فيروس الكورونا الجديد مع الجمعية ذاتها العام الماضي. هذه الشفافية الانتقائية من وزارة الصحة أثارت العديد من التساؤلات عن أولويات الوزارة، والتي من المؤكد أنها لا تمثل شعارها "المريض أولا"، فالمجتمع الدولي أولا ومن ثم وسائل الإعلام المحلية والمواطنين.

المحزن أن تحديثات وكيل الوزارة للصحة العامة للجمعية غير الربحية فتحت النار على الوزارة نفسها وتخبطها في آلية رصد الحالات منذ ظهور الفيروس لدينا، بل إن بعض وسائل الإعلام الأجنبية لم تفرق بين الحكومة السعودية ووزارة الصحة، واعتبرت تقصير الوزارة تقصيرا من المملكة في التعامل مع الفيروس، وهو الظلم بعينه، فالملك ـ حفظه الله ـ لطالما دعم وزارة الصحة ماديا ومعنويا، إذا من المسؤول عن تقويض صورة هذا الدعم محليا وعالميا؟

لا تحتاج الوزارة لاختراع العجلة مجددا، فكل ما عليها هو اتباع خطوات دليل منظمة الصحة العالمية في التعامل مع الجمهور في حالات التفشي: تعزيز الثقة، الإعلان التفصيلي المبكر، الشفافية الحقيقية، احتواء الجمهور بالإجابة الموحدة على أسئلته، وأخيرا اتباع خطة اتصالية مسبقة لتقييم المخاطر، وهي التي على ما يبدو أنها غير موجودة لدى الوزارة.

أمّا إن ارتأت وزارة الصحة الاستمرار على هذا النهج والمخاطرة بثقة المواطنين المهمة لاحتواء هذا التفشي وغيره في المستقبل، لا سمح الله، فلا بد من البدء بحملة "هيا نتعلم الإنجليزية" ليتسنى للمواطنين متابعة تحديثات الوزارة على وسائل الإعلام الأجنبية والاستفادة من نصائحهم التوعوية المستمرة.