لا يمكن لي أن أضع بين يديكم، ولو على مساحة كل أوراق هذه الصحيفة، كتاب (الجهاد في الإسلام) الذي طبعته ذات زمن مضى (وزارة المعارف) وختمت على غلافه بعنوانها وشعارها وأرسلته بالبريد الرسمي إلى كل مدرسة سعودية.
كل قصة هذا العنوان وهذا الكتاب تكمن في الاختراق الفكري الذي سمح للمؤسسة التربوية الرسمية أن تستقطب الثنائي الأشهر في التاريخ الحركي (حسن البنا وسيد قطب) ليؤلفا كتاباً تطبعه المطبعة الرسمية وتوزع منه على جيل مضى نصف مليون نسخة. وحين تعود لتاريخ التأليف وسنة الطبعة تكتشف أنها (بالمصادفة الحميدة) تعود لذات العام الذي كان فيه كمال الهلباوي، رئيس التنظيم الدولي لحركة الإخوان المسلمين، يعمل لدينا رئيساً للجنة مستشاري بناء المناهج المدرسية في وزارة (المعارف) السعودية. ولكم أن تعلموا، كي تدركوا المقاصد والأهداف، أن هذا الكتاب (لمؤلفيه) الاثنين بالتحديد كان الكتاب الأوحد الوحيد الذي طبعته (وزارة المعارف) خارج كتب المقررات المدرسية رغم أن الكتاب لا علاقة له بحصة أو مادة أو منهج أو أسئلة امتحان. والقصة الأهم، حين تقرأ هذا الكتاب الموجود إلكترونياً بضغطة أزرار، أن العنوان الذي لا تستطيع مساءلته على غلاف الكتاب، لا علاقة له بالجهاد في الإسلام الذي يعرف كل مسلم أركانه وشروطه وضوابطه. الجهاد الذي يتحدث عنه هذا الكتاب الذي وصل إلى آلاف المدارس ذات زمن ليس ببعيد، هو تمرير الوصايا العشر في أدبيات حركة الإخوان المسلمين بالضبط، رغم أنها ليست بأكثر من تنظيم بين مئات التنظيمات والمشارب التي نعرفها عبر كل تاريخنا الإسلامي. الجهاد الذي يتحدث عنه هذا الكتاب هو الجهاد الداخلي ضد المجتمعات والأنظمة والشعوب لمحاربة (جاهلية القرن العشرين) لأن جماعة الإخوان ترتكز على مبدأ أنها المنقذ من جاهليتنا المعاصرة. الجهاد الذي يتحدث عنه هذا الكتاب ليس إلا الدعوة إلى الانفصام عن علماء هذه الشعوب لأنهم مجرد علماء سلاطين وبالخصوص علماء المنهج السلفي حيث الوزارة التي طبعت هذا الكتاب. الجهاد الذي يتحدث عنه الكتاب ليس إلا الدعوة للتشكيك كي يكون آلاف الشباب غرباء في مجتمعاتهم وأوطانهم: نعم: نجحوا بكل امتياز.