اعترض عدد من القراء على مقالي الأخير حول تعليم اللغة الإنجليزية وطالبوا بالانتباه إلى اللغة الأم والاعتناء بتعليمها، وهو مطلب منطقي، لكن لا بد أن يعرف هؤلاء أن كل من ينطق باللغة العربية منذ طفولته لن يواجه أي مشكلة في تعلم اللغة، وكل ما يحتاجه هو المزيد من القراءة للوصول إلى مستوى جيد من التعامل مع اللغة وإتقانها، ويبدو أن تراجع مستوى القراءة في المجتمعات العربية هو السبب الرئيس في تراجع مستوى اللغة نفسها.

وعودا إلى اللغة الإنجليزية، يعرف القراء الكرام جيدا ماذا يعني أن تكون متحدثا وقارئا باللغة الإنجليزية، أولا هذا يعني أنك تتحدث لغتين، وهو ما يرفع مستوى الوعي والثقافة تلقائيا لدى الأفراد، وبالطبع ذلك يزيد من حجم الثقة في النفس بما يجعل الفرد مقبلا على النجاح وتفتح أمامه الفرص تلو الفرص، ولم أقرأ في حياتي إعلانا وظيفيا يشترط التحدث بالعربية.

لنجلس مع أنفسنا قبل كل شيء، ونسأل مثل هذه الأسئلة، هل اللغة العربية معترف بها في التعاملات التجارية الدولية، هل اللغة العربية مطلوبة حين تجد نفسك أمام موظف جوازات في باريس أو شنجهاي؟، هل ستفيد اللغة العربية طالبا قضى وقتا طويلا أمام الكتب والدروس قبل أن يجلس على طاولة تعليم في إحدى الولايات المتحدة الأميركية؟.

الإجابات على الأسئلة أعلاه بالطبع لا، لا يحتاج العربي لغته الأم حين تأخذه الخطى خارج البلدان العربية، لكنه يحتاج اللغة الإنجليزية ويحتاجها بشدة، لدرجة أنه سيدخل في حالة من تأنيب الضمير لأنه لم يعطها من وقته واهتمامه ما يكفي، طبعا لن يفكر في أي لغة أخرى لأن بقية اللغات تعتبر ميتة أمام اللغة الإنجليزية ولا وجود لها. هناك من يقول إن الفرنسي أو الروسي يفتخر بلغته الأم ولا يتحدث بغيرها، وهذا صحيح ولكن ذلك يحدث في بلاده فقط، لكنه إذا خرج إلى أي بلد آخر في أي مكان في العالم، سيتيقن أن لغته هذه شيء من البؤس لا تسمنه ولا تغنيه وسيضطر إلى التحدث بالإنجليزية صاغرا، وذلك يحدث مع أي شخص من أي جنسية تتبع لأي بلد في العالم. وحين نطالب بتحسين تعليم اللغة الإنجليزية، فلا يعني ذلك تقليلا من اللغة العربية وإنما هي محاولة لرفع مستوى وعي المتحدثين باللغة العربية وبدلا من أن يمشي الإنسان بقدم واحدة، يمشي بقدمين، والإنجليزية ليست مجرد قدم، هي جسد متكامل تستطيع أن تعيش به في أي مكان ومع أي قوم وتحت أي ثقافة في هذا العالم الصغير.