حين هاتفني الصديق الأثير، فيصل المعمر، مستشار خادم الحرمين الشريفين وأمين عام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، ليطلب الدعاء بالرحمة والمغفرة لوالدنا الشيخ صالح الحصين، شعرت أن رأس طاولة الحوار الوطني لن يكون من اليوم مثلما كان. لم تكن أبرز مآثر راحلنا الكبير تكمن في بساطته وتواضعه، بل في قدرته الهائلة على توزيع أنهار الحب والمودة إلى كل المختلفين معه قبل المتفقين مع رأيه ومنهجه. كان هذا العالم الرباني الضخم (أباً) بكل الامتياز وكان مثالا للداعية الواعي بحجم تباين الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب وقد لا يعرف الكثير أنه رحمه الله جاء إلى العلم الشرعي عبر الشهادة العليا في القانون مثلما قد لا يعرف كثر أنه – رحمه الله – كان يتحدث لغتين أجنبيتين بكل طلاقة. عرفت والدنا الراحل الكبير عبر خمس جلسات رئيسية لطاولة الحوار الوطني في خمس مدن سعودية مختلفة. في المرة الأولى، سأبوح بالأسرار، عندما طرق باب غرفتي بالمدينة المنورة ليؤكد علي بعدم الخروج بتاتا من الفندق لأن الوضع به بعض الخطورة. كنا في 2003 لمن يعرف حوادث ذلك التاريخ. قلت له مداعبا، وعلى الباب، إنني أحسد فريقكم يافضيلة الشيخ على (الحرية) لأنكم لستم في دائرة الاستهداف. ما زلت أتذكر ضحكته المجلجلة وهو يضمني (كأب) ثم يقول (ما عليك يا علي حسونة). في القصة الأخرى، كنا في الأحساء، يوم قررت (بفورة شاب) أن أنسحب من جلسة الحوار الوطني لأن (رأس الطاولة) قطع عني الكلام لأنني تجاوزت الخطوط الحمراء. وبأصبع من (والدنا) واصلت الحضور حتى نهاية الجلسة وأمام باب غرفتي بالفندق وجدت معاليه (مبتسما) ثم يبادرني قائلا (يبدو يا علي أنك لوحدك في حاجة لجلسة حوار). تعلمت من صالح الحصين – رحمه الله – في تلك الساعة بغرفتي أهم درسين: الأول، أن ما قد يراه المرء بطولة في وقتها قد يكون مع الزمن (فضيحة) وأنا لا أريد لوطني مثلي أن يكون أول منسحب في تاريخ هذا الحوار. الثاني، هو ما قاله لي بالحرف من أن المرء كلما يكبر سنه كلما يندم على قرار كان في السنة السابقة، نحن لا نكبر مع السنين في العمر، بل نكبر في النضج وحسن القرار، رحم الله والدنا (صالح الحصين) وأسكنه فسيح جناته.