تمر اليوم ثماني سنوات على تولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة العربية السعودية، ماذا يعني ذلك؟

هذه المناسبة تجعل الأفراد يستحضرون بكل صدق مسيرة هذه السنوات، التي هي قليلة بعمر الدول، لكنها كبيرة في مسيرتها الحضارية، ليتذكروا أين كان موقعهم، وأين أصبح الآن، وليؤكدوا لأنفسهم أنهم فعلاً محظوظون بوجود هذا الرجل الفذ الذي يحبونه بصدق، فما نعيشه اليوم على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لا يمكن أن يقارن بأي زمن آخر مضى، فالتطورات المحلية ملحوظة، على الرغم من أن البعض قد يفكر بصوتٍ عالٍ بالقول إن التطورات العالمية أصبحت متسارعة ولا يمكن اللحاق بها، ولكن يفترض ألا ننفي أنه يمكن لنا مجاراتها والتفاعل معها.

صحيح أن المستقبل يأتي بسرعة، إلا أن الإنسان لا يملك إلا أن يفكر باستمرار في مستقبله: ماذا سيفعل، وماذا سيكون عليه حاله هو وأبنائه، بل ومجتمعه والعالم أجمع، بعد عدة سنوات، ولذلك يمكن أن نرصد بعض الأمثلة التي يستشف منها قضية الأبعاد المستقبلية في سياسة الملك عبدالله الداخلية والخارجية، على الرغم من أن هناك الكثير من المشاريع التي لم تكتمل بعد.

فالذي حصل خلال عهد الملك عبدالله في السنوات الثماني الماضية هو تأسيس لهذا المستقبل، ربما لا ندركه الآن.. لأنها مشروعات استثمارية إنسانية لم تكتمل دورتها، ولكن ربما يلمسها أبناؤنا مستقبلاً، فهناك أمور كثيرة تغيرت في حياة المواطن السعودي كاستجابة للتطورات الحضارية في العالم. وقد حرص خادم الحرمين الشريفين على أن يكون المواطن السعودي بحال أفضل، وبالتالي يمكن أن نستشهد ببعض إنجازاته الكبيرة خلال هذه الفترة.

فإدراكاً منه ـ حفظه الله ـ لأهمية الاستثمار في الإنسان، تم تأسيس العديد من الجامعات الجديدة في مختلف المناطق، حتى قفز عدد الجامعات السعودية من ثماني جامعات على مدى عقود، إلى 28 جامعة في ثماني سنوات فقط، ومنها جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، وجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن كأول جامعة سعودية متكاملة خاصة بالبنات.

وكذلك الاهتمام بـ(النانو) كتقنية جديدة في العالم من خلال إنشاء مركز تقنية النانو، بالإضافة إلى افتتاح العديد من المعاهد والكليات والجامعات الخاصة. والعارفون بشأن التنمية يعون أن إنشاء جامعة يعني أساساً للتنمية المحلية والوطنية حاضراً ومستقبلاً، وفي الإطار ذاته تم إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بدعم كبير وسخي لتعلم أفضل لآلاف الشباب السعوديين الذين يُنتظر أن يعودوا ليشاركوا في بناء هذا المستقبل.

وعلى صعيد آخر كانت خطوة انضمام المملكة العربية السعودية لمنظمة التجارة العالمية عام 2005، ضمانة لأن نكون جزءاً مؤثراً وفاعلاً في حركة التبادل التجاري العالمي بأكبر قدر من السلاسة واليسر والحرية، وعلى ضوء ذلك ففي الشأن المحلي تم الإعلان عن مشروعات اقتصادية ضخمة تتمثل بإنشاء مدن اقتصادية في عدة مناطق مختلفة من المملكة، وتوج الأمر بإنشاء مركز الملك عبد الله المالي، والذي يؤمل أن تصبح الرياض من خلاله العاصمة الاقتصادية للشرق الأوسط.

وعلى مستوى آخر تم إجراء تعديل في النظام الأساسي للحكم ليشتمل على إنشاء هيئة البيعة، كما تم إصدار الأنظمة الجديدة للقضاء، وإنشاء عدة وزارات ومؤسسات وهيئات حكومية جديدة، ومنها وزارة الإسكان، بالإضافة إلى البدء بتوسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة كأكبر توسعة في تاريخهما حتى الآن، وتأسيس مشروع "نحو العالم الأول" مكة المكرمة وجدة، تفوق تكلفته 600 مليار.

وفي المجال الطبي تم تأسيس مدن طبية ومستشفيات جديدة في مناطق مختلفة، ومنها مستشفى الملك عبد الله للأطفال، ليكون مركزاً عالمياً لأمراض الأطفال، وخاصة الأطفال السياميين.

وفي المجال الثقافي تم إنشاء جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، التي تهدف لمد جسور التواصل الثقافي بين الشعوب وتفعيل الاتصال المعرفي بين الحضارات، كما تم تأسيس مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا، بهدف ترسيخ الشراكة الإنسانية والتعايش والسلام.

الأمثلة السابقة توضح جزءاً من مسيرة التنمية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتؤكد لنا كمواطنين أن السير نحو المستقبل يستوجب تجاوز الصعاب، ويمكن لأمور كثيرة أن تتم في فترة قصيرة، وأنه مهما وجدت العزيمة لرسم صورة المستقبل فإن ذلك سوف يتحقق.