منذ التغييرات التي شهدتها الأندية الأدبية قبل حوالي عشر سنوات، وما مرت به من تحولات، ما بين التعيين والانتخاب، وجدلية الأدبي والثقافي، تراوح مكانها، خصوصا بعد أن طرحت فكرة المراكز الثقافية التي كثر الحديث والتساؤلات حولها، مثل: هل هي دمج للأندية الأدبية وفروع جمعيات الثقافة والفنون؟ أم أن المقصود هو توفير مبان لإقامة جميع الأنشطة الأدبية والفنية في مكان واحد؟. ثم جاءت لائحة الأندية الأدبية وما حفلت به من جدل ونقاشات ما زالت مستمرة حتى الآن، خصوصا بعد أن وصل لمجالس إداراتها "غير الأدباء" حسب تعبير المنتقدين لما آلت إليه تلك الانتخابات.
ما جعلني أستعيد تسلسل هذه الأحداث، هو ما يحدث ابتداء من اليوم في نجران، حيث ينظم ناديها الأدبي فعالية "ثقافية" مهمة هي مهرجان "قس بن ساعدة"، لم تقتصر على الأدب والأدباء بل إن فنونا كالمسرح والتصوير والتشكيل تمثل نسبة كبيرة جدا إذا ما قورنت بالجوانب الأدبية، وحسبما ظهر من التفاعل الكبير والحضور الذي فاق التوقعات في الدورة الأولى، فإن المتوقع أن تحظى الدورة الحالية بحضور أكبر خصوصا في يوم الافتتاح، والسبب في نظري أن الفعالية خرجت من إطار التقليدي وطرقت أبواب الثقافة بمفهومها الأوسع، فجذبت مئات الزوار في اليوم الواحد، بعكس أي فعالية أدبية خالصة، تبقى كراسيها تستجدي الجمهور.
طبعا هنا أؤيد حق الأدباء في أن يكون لهم كيان مستقل، وأن تبقى الأندية الأدبية أدبية، ما دامت لم تلغ كليا. ولكن ـ في الوقت نفسه ـ أعتقد أن الحل للخروج من أزمة (الأدبي ـ الثقافي) كان بيد وزارة الثقافة والإعلام منذ بزوغ فكرة المراكز الثقافية، فلو نفذت فكرة دمج الأندية الأدبية بفروع جمعيات الثقافة والفنون وحولتها إلى مراكز ثقافية حضارية كما يحدث في كل دول العالم، لما بقينا في تلك الدائرة المفرغة. ولكانت الفعاليات الثقافية جميعها تحظى بإقبال جماهيري وتفاعل أكبر. فلم يعد في العالم ـ حسب علمي ـ من يجزئ الفعل الثقافي الموجه للمجتمع إلا نحن، ومع ذلك ما زلنا نسمع ونقرأ أن فلانا من المثقفين أو المسؤولين يتساءل باستغراب.. أين الجمهور؟ ولعل هذا "الفلان" يجد إجابة من "فلان" آخر يقول له: السبب هو أن التخطيط الصحيح مفقود.