المواقع الاجتماعية أصبحت تصنع الحدث والمشاعر. بل إنها هي الحدث والمشاعر. وسعت دائرة العلاقات بين الأفراد بشكل مهول، واتسع معها مدى التقبل والرفض داخل كل فرد. هناك صراع كبير بين ما يكون عليه كل فرد وبين ما يجب أن يكون. بين الحالة والتنشئة.
أنت أصبحت أقرب إلى من لا تعرف وربما بعيدا عمن تعرف. وهذا يجعل المسؤولية عليك كبيرة. لديك الفرصة للانطلاق، لكنك محاصر بالحيرة، تعبر أو لا تعبر. علاقتك بالمجتمع أصبحت متشابكة وبات رأيك مسموعا حتى لو لم يكن لك رأي. تتجنب الاستفزاز وتحاول ألا تبدو مستفزا. هذا إذا تقاطعت مع الجانب الأخلاقي في داخلك ورفعت من مستوى إنسانيتك قليلا.
أنت تتفاعل مع الآخرين بشكل مباشر كلي. تتجاذب معهم، تحبهم، تكرههم، تفترض فيهم القوة والغباء والخبث والسخافة. تتلقى ردود الفعل المختلفة، تماما كما تفعل أنت حين تعبر. أحيانا تأتيك رغبة في الشتم واللعن والانتقام، وحدث أن وصلت ببعضهم الرغبة في القتل. هذه المواقع أشبه ما تكون بالتجمع الإنساني، وينعكس هذا التجمع على الواقع بكل انفعالاته. وليس بالأمر المستهجن أن تجد اثنين يتناصبان العداء دون سبب غير أن أحدهما كتب رأيا لم يعجب الآخر على تويتر أو فيس بوك. إنها مصانع حقيقية للمشاعر والعاطفة. هناك من يحب، لكن هذه ليست القصة، ولا تهم أحدا، الذي يكره ويستعدي هو من ستعرف الناس قصته وتتداولها في نفس المكان الذي خلقت فيه.
في مصر قتل شاب شابا آخر بسبب تعليق على الفيس بوك، وتجمع أهالي القرية وأحرقوا الشاب الأول حتى الموت. هذا آخر ما أنتجته مصانع المشاعر، ويبدو أن هناك المزيد والمزيد. القضية ما زالت في بدايتها والمصانع تتسع وتتكاثر.
لا توجد دراسات بهذا الخصوص، وهي مسؤولية ملقاة على الباحثين، غير أن الصورة تقول التالي: هناك شعوب لم تعتد على الاختلاف وتقبل الرأي الآخر واستيعابه والتماهي معه، بما لا يؤثر على المشاعر ويفتح الجراح بين الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية. هل يحدث هذا في الغرب والشرق، ربما يحدث، لكن الصورة لا تحيلك إلى مشهد قبلي متخلف عنيف أبدا.