يجتمع مجموعة من كبار السن في محافظة طريف في أوقات محددة يتفقون عليها، إما عند منزل أكبرهم سنا في الحي، أو في أحد الأماكن العامة المعروفة، ليتبادلوا الحديث فيما بينهم، ويروون جلساتهم قصصا من الماضي عن أشخاص عرفوهم أو أحداث عايشوها، وغالبا ما تكون لعبة "البيه" هي القاسم المشترك في هذه اللقاءات، حيث يحلو الحديث خلال لعبها وتتحقق التسلية. هزاع الرويلي يقول إنه يرتاح كثيرا بمجرد حضوره اجتماعا مع من شاركوه مصاعب الحياة وتقلباتها في مرحلة الشباب، مشيرا إلى أن ذلك يتم غالبا في الهواء الطلق أمام منزل أحدهم، لأن البيوت ـ حسب قوله ـ أصبحت سجنا بالنسبة لهم. وأضاف "نحن تقريبا جيل متقارب في الأعمار، عشنا فترات زمنية مع بعضنا البعض، وكل فتره نجتمع بعد أن أهملتنا المراكز الاجتماعية والأنشطة الثقافية، وفي لقاءاتنا نتذكر الماضي، والأخبار، والمواقف القديمة، والقصص التاريخية، والحروب التي مرت علي المنطقة العربية". وعن لعبة "البية" قال "لعبة البيه موروث شعبي قديم، وهي عبارة عن مجموعة من الحفر الصغيرة المتقابلة عددها ست، يوجد بكل منها سبع حصوات، وتلعب بطريقة معروفة بيننا، وهي لعبة مسلية، خاصة أنها تلعب بين اثنين، مما يولد الحماس والتعليقات الساخرة من بقية الحضور".
مرشد العنزي، هو الآخر لا يرى في مسليات هذا العصر أي متعة، من قنوات فضائية وإنترنت وصحف.. يقول "الألعاب الحديث لا تستهوينا، ولا تبعدنا ولو جزئيا عن روتين الحياة اليومية، ولا يطربنا سوى الفضاء الواسع وهو "البر" وقضاء الوقت في الخيام، ومطاردة الخيل، والاجتماع كل مساء حول شبة النار". وشكا العنزي من التهميش الذي يعاني منه كبار السن، وقال "يجب أن تقدروا ضعف كبار السن، وتدركوا حاجتهم للدعم، خاصة عند مراجعتهم الدوائر الحكومية لإنجاز ما يحتاجونه، حيث يتعامل معهم البعض بفوقية وبنظرة سطحية وكأنهم من كوكب آخر". وطالب أبو محمد الرويلي بتخصيص مكان في المحافظة، أو ناد في كل حي لكبار السن، يجتمعون فيه، لأنهم لا يملكون سيارات للتنقل بها من مكان لآخر، فيما لا يستطيع بعضهم قيادة السيارة لكبر سنه، أو لعدم معرفته. ويعلق أستاذ علم الاجتماع الدكتور سطام العنزي قائلا "ليس من الوفاء لهذا الجيل المتقدم في العمر أن يُهمَلوا، أو يتركوا فريسة للضعف، أو العجز، أو المرض، أو الحاجة، ويجب رعايتهم والعناية بهم، عملاً بمبادئ ديننا الحنيف، ورسالته الغراء التي تجعل الأسرة متضامنة متآزرة على السراء والضراء". وأضاف أن "وجود الكبار في المنزل امتياز وبركة ووقار، والشيخوخة مصدر استقرار، وجمع الشمل، ولم الأولاد، وتحقيق الوئام والمحبة والود بين أفراد الأسرة كلها". وأضاف العنزي أن المتغيرات الاجتماعية التي تشهدها الحياة المعاصرة في مختلف المجالات، ساهمت في بعض بروز عدد من المظاهر السلبية في محيط الأسرة، أثرت على العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة حتى وقت قريب، ومنها إهمال الكبار، داعيا إلى الدعم النفسي والاجتماعي لكبار السن، والشد من أزرهم، والجلوس معهم، والاستماع لهم، ونقل ما يبحثون عنه من معلومات. من جهته، أوضح مدير مركز التنمية الاجتماعية بطريف مرجي جهيم الرويلي أن المركز استأجر استراحتين داخل المحافظة بغية تجمع كبار السن فيهما بهدف دمجهم مع المجتمع، مشيرا إلى أنهم يسعون خلال الفترة المقبلة إلى زياده عدد مراكز التنمية بالمحافطة بما يتوافق مع الاحتياجات المتزايدة.