تركي يحيى السرحاني
أمين عام لجنة أصدقاء المرضى بعسير
إن المتتبع لحياة الموظف السعودي من بداية تعيينه حتى وصوله إلى مرحلة التقاعد سوف يتعرف على صعوبة حياته ومعاناته في مقارعة أمواج الحياة ومتلاطمات الحياة المعيشية، فما إن يتسلم وظيفته حتى يبدأ في التفكير والإحساس بالشعور بالذات ويرغب في تحقيق الاستقلالية الشخصية وفي أسرة جديدة يحتاج فيها إلى إكمال نصف دينه وإلى مسكن يؤويه ووسيلة نقل يستعين بها في تنقلاته وكل هذه الاحتياجات تحتاج إلى المال الذي لا يفي مرتبه كموظف جديد على تأمين شيء منها في ظل ارتفاع الأسعار، وتدني مستوى المرتبات مما يضطره إلى زيارة البنوك والتعرف على أقل نسبة فائدة وكذلك البطاقات الائتمانية ليتمكن من استئجار السكن وتأسيسه، ومن ثم القدوم على الزواج وتأمين وسيلة النقل ظانا أو معتقداً أنه سوف يدخل في عش الزوجية المفروش بالورود، ينعم فيها بحياة سعيدة بعد معاناة العزوبية ومنغصاتها، ولم يعلم هذا الموظف المسكين أنه قد دخل إلى عالم الديون والتقسيط المنتهي أحياناً إلى دهاليز المحاكم وغياهب السجون، ويستمر هشيم التقسيط ينهش مرتبه لسنوات طويلة وتتراكم الديون، نظراً لأن 30% تذهب أقساط تلك القروض ويزداد عدد أفراد العائلة بوصول الأطفال، ناهيك إذا كان هذا الموظف هو العائل الوحيد لأسرته الأصلية والمكونة من الوالدين والإخوة، ويواصل ذلك المسكين الكد والتعب طلباً لستر الحال مع استمرار الأقساط وارتفاع الأسعار واتساع رقعة الاحتياجات ويكبر الأبناء وتزداد معهم طلباتهم تبعاً لأعمارهم وأجناسهم، نظراً لتمتع أقرانهم وأقربائهم في الحي والمدرسة من تملك هذه الكماليات التي تعتبر حالياً من أولى الضروريات بدءا من جهاز الهاتف والدراجات الهوائية والحاسب ثم السيارة. ولأن الموظف الكادح لا حول له ولا قوة يبادر في تلبية طلبات أبنائه، وأخرى يقدم لهم كشف الديون والارتباطات المالية، فلا تزيد الأبناء إلا رغبة في الحصول على طلباتهم، إضافة إلى الالتزامات الأسرية والاجتماعية الضرورية، وهنا يبدأ الموظف بالبحث عن تمويل آخر في مقابلة هذه الطلبات الملحة ويحصل على قرض جديد لمهمة شاقة جديدة مع مرور الوقت يصل قرار التقاعد الذي يصيب الأسرة وعائلها في مقتل، فبعد أن كانت البنوك تأخذ 30% من المرتب يأتي التقاعد ويأخذ 50% من راتب الموظف المقترض، وهنا يكون الأولاد قد كثر عددهم وكثرت مطالبهم وزادت احتياجاتهم، ومازالت الأسرة بدون مسكن يملكونه، والتنقل هو شعارهم من شقة إلى أخرى، بل لم يدر بخلد عائلهم التفكير في شراء أرض أو بناء منزل، لأنه يعلم سلفاً أن لا طاقة له على الدخول في هذه المعمعة التي نتائجها محسوبة سلفاً. وتمر الأيام والأسرة تكابد الفقر والحاجة، ثم تفقد الأسرة عائلها بأمر الله عز وجل ويتوزع راتب المتقاعد المتوفى على أفراد الأسرة ويخضع بلغة الأرقام حسب أعمار الأبناء والبنات، هذا النظام الجاف الذي لا يعترف بالرحمة والتعاطف، ونظرته مالية مادية، حيث إذا بلغ الابن سنا معينا يحرم من معاش والده، وكذلك الابنة ومن انقطع عن الدراسة، فهل من المعقول أن تكون أسرة مكلومة في عائلها ومنكوبة في دخلها يتم في نفس الوقت قطع مصدر عيشهم، ومن هنا يفكر الأبناء كيف يحصلون على المال، شعارهم الغاية تبرر الوسيلة.
فعلى مصلحة معاشات التقاعد والشؤون الاجتماعية أن تدرك هذا الأمر المجتمعي الخطير، وتحفظ للمتقاعد حيا أو ميتاً حقوقه.