السعودة مفهوم عام، لا يقتصر على توطين الوظائف وإحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية، فسعودة الوظائف هي جزء من المصطلح العام للسعودة، التي يقصد بها أيضا توطين الفرص التشغيلية في قطاعات المقاولات ومناقصات الدولة في مختلف المجالات، ومنها يقصد أيضا إعطاء الفرصة للمؤسسات والشركات والمصانع السعودية في المناقصات الحكومية، ويدخل في إطار السعودة كذلك إعطاء الأولوية للخبرات والمكاتب الاستشارية السعودية أو التعاون بين تلك المكاتب الاستشارية السعودية والدولية في مناقصات الدولة أو المؤسسات العامة لها.

إن مفهوم السعودة أكبر من المفهوم القاصر على سعودة الوظائف فقط، فعلى سبيل المثال أعلنت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أنها على وشك اختيار أفضل الجامعات العالمية المتقدمة لإعادة تطوير برامج التدريب والتعليم، ووضع المناهج الحديثة لمعاهد وكليات المؤسسة.

واستعجبت أمام الخبر المنشور في إحدى الصحف اليومية من توجه المؤسسة التي تستهدف التدريب والتأهيل لتحقيق أهداف توطين الوظائف في السعودية بالاستعانة بجامعات دولية فقط، وأنا لست ضد الاستعانة بالجامعات والمعاهد صاحبة الخبرة الدولية، لكنني كنت أتمنى لو كان شرط التعاون من خلال شراكة مع إحدى الجامعات والكليات السعودية الحكومية أو الأهلية؛ لكسب الخبرة والمهارة، ولتعم الفائدة وتستمر، ولا ترتبط فقط بالخبرات الأجنبية.

ومثال آخر، نشر في إحدى الصحف اليومية خبر يفيد أن وزارة التربية والتعليم قد استقطبت عروضا من شركات دولية متخصصة في إعداد دراسات تطوير التعليم، وأن الوزارة بصدد ترسية عقد التطوير على إحدى هذه الشركات الاستشارية، والحقيقة أنني تعجبت أيضا واستغربت من هذا الخبر للوزارة، التي تشدد على سعودة وظائف المدرسين والمدرسات في المدارس الأهلية، وبصرف النظر إن كانت المدارس دولية أجنبية أو أهلية سعودية، رغم علمها أن هنالك صعوبة كبيرة في عملية الإحلال في المدارس الدولية ومدارس الجاليات الأجنبية، وكنت أتوقع من الوزارة الاستعانة بمراكز البحوث والتطوير في الجامعات السعودية، وعلى وجه الخصوص بجامعة الملك فهد، وجامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز، وهي ذات تجارب سابقة في كتابة استراتيجية التعليم العالي وتطوير خطط التعليم العالي، والتي نجحت وبتميز في وضع الخطط بإشراف شخصي من الوزير المخضرم المتميز الدكتور خالد العنقري وزير التعليم العالي، مما ساهم في تقدم الجامعات خلال الخمس سنوات الأخيرة، جعلها تتبوأ مراكز متقدمة في قائمة الجامعات العالمية، ألم يكن من الأجدى اختيار إحدى الجامعات السعودية حكومية أو خاصة وتكليفها بالمهمة؟ ولا سيما أن هذه الجامعات بها من أفضل الخريجين من حملة الدكتوراه، ومن أقوى الجامعات العالمية!، وإذا كان الهدف هو اختيار شركات استشارية عالمية، فلماذا لا نربط التعاقد بشرط التعاون مع إحدى الجامعات السعودية؟.

أما المثال الثالث فهي هيئة الاستثمار في إدارتها السابقة والحالية، وإدارة مدينة الملك عبدالله الاقتصادية برابغ، والشركة المطورة للمدينة، التي أعلنت من بداية الترويج للمدينة رغبتها في إنشاء جامعة دولية أو كلية أجنبية في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، واعتذرت لجميع العروض التي تقدم بها المستثمرون السعوديون وأصحاب التجارب الناجحة في إنشاء الجامعات والكليات الأهلية؛ بحجة رغبتها في مؤسسة جامعية عالمية، وكأنه عدم اعتراف ضمني بالجامعات والكليات الأهلية السعودية، التي حققت نجاحا متميزا في تخريج شباب سعودي مؤهل حسب احتياجات سوق العمل، بما فيها إجادة اللغة الإنجليزية، وربط التعليم بالتدريب والتأهيل لسوق العمل، وكذلك رفض المطورون في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ضمنيا إنشاء المدارس السعودية الأهلية الدولية بحجة رغبتها في استقطاب مدارس عالمية من خارج المملكة.

أما قطاع المقاولات، فتحرص الجهات المسؤولة على تطبيق برامج السعودة والإحلال على الشركات والمؤسسات الصغيرة، أما الشركات الكبيرة والشركات صاحبة الجنسيتين المزدوجة، فتصر على تعيين غير السعوديين وفي مراكز قيادية وبامتيازات خيالية، وتترك الوظائف الدنيا للسعوديين، رغم أنها تحظى أحيانا بالمشاريع ذات التعميد المباشر وبلا منافسة وبأسعار مبالغ فيها، وترسي نفس المشروع بتكلفة ربع القيمة على مقاولين أجانب وسعوديين من الباطن، ودون الدخول في تفاصيل الأسماء، إلا أن المعنى في بطن الشاعر والأمثلة متعددة وتحتاج بالفعل إلى تعميم مفهوم السعودة، وعدم قصره على إحلال العمالة السعودية مكان العمالة الأجنبية.

إن الوطن في أمس الحاجة إلى تعميم مفهوم السعودة في كل النواحي، وعلى جميع القطاعات، وفي مختلف المستويات، دون تمييز ولا تفرقة، وهي العدالة في التطبيق، كما أن بلادنا تزخر بالكفاءات المتخصصة والمؤهلة والمتميزة، ولو جاز لي الاقتراح لاقترحت ربط الاستعانة بالشركات والمكاتب الاستشارية العالمية بشريك معرفي مؤسسي مثل الجامعات والكليات ومراكز البحث، دون الاكتفاء بوكيل أو ممثل سعودي لكسب الخبرة وتعميم الفائدة.

شبابنا، ومنهم من تخرج من أفضل الجامعات العالمية، والغالبية من كبار المسؤولين في الدولة كان أساس تكوينهم العلمي في مدارس وجامعات سعودية قادوا مؤسسات حكومية وخاصة بنجاح واقتدار عندما أتيحت لهم الفرصة.

وأجزم بأن مفهوم السعودة بالتطبيق الحالي يدور في دائرة مغلقة، تحتاج إلى توسيع لتشمل جميع القطاعات وليس قطاع التوظيف فقط، ولتبدأ القطاعات الحكومية بتطبيق هذا المبدأ بجميع أعمالها الاستشارية أو الخدمية.