لسنا بدعا من المجتمعات الأخرى في أن نكون أسرى لنظريات المؤامرة. في الغرب أيضا شرائح من المثقفين والإعلاميين وعامة الناس يعيشون في هذا الهاجس، ولكن "النسبية" تحضر دائما كمؤشر واضح لقياس الفروق بين الأمم في مستوى الوعي والتحضر.
لم تعد العلاقة بين وسائل الإعلام والجماهير تنحصر في عملية توجيه من المرسل إلى المستقبل، أصبح الفرد العربي كاتبا ومخرجا لأفلام قصيرة على "يوتيوب"، يضمنها قناعاته وأفكاره وتوجهاته، ويرسلها إلى الملايين لتتفاعل معها.
قبل سنوات، كانت سلسلة "القادمون" التي ظهرت على "يوتيوب"، قد حققت نجاحا كبيرا، خاصة لدى العرب. تتناول السلسلة تفسير الأحداث العالمية الكبرى من منطلق المؤامرة، تحاول الربط بين كل خيوط الأحداث لتصل إلى علتها الأولى، "الماسونية"، وغيرها من الجمعيات السرية.
غربيا؛ يعود منشأ هذا الداء إلى أفكار غنوصية ـ باطنية ـ لا يزال يؤمن بها بعض المنتمين للمؤسسات اليمينية، نتيجة سيطرة الميثولوجيا الدينية عليها، ولكنها تبقى محصورة في شرائح قليلة هناك، أما في عالمنا العربي فالأمر مختلف، ولأن العقل العربي غنوصي، وأسطوري بطبيعته، ولأنه يعيش أزمات حضارية لا يستطيع تفسيرها وتحليلها، فإنه يجنح تلقائيا إلى فكر ونظريات المؤامرة، ليتخلص من أسقامه وعجزه، وفراغه المعرفي، وهزائمه المتتالية، وبالتالي تظهر لنا أفلام وسيناريوهات عربية تعيد كل مصائبنا وفشلنا إلى محافل تضم مجموعة من شياطين الإنس الماسونيين، نسبوا إليهم صناعة الربيع العربي بكل أحداثه، على اعتباره كارثة مدبرة، بل وصل الأمر ببعضهم إلى اكتشاف خطير، وهو أن المسيح الدجال هو من يحرك جنوده الماسون، ويأمرهم بافتعال الثورات أو الأزمات في كل دولة، كخطوات استباقية لسيناريو محكم قبل ظهوره!
المؤامرات واقع، نظريا وعمليا، بل إن السياسة في طبيعتها تآمرية، لكنها ليست بهذا الشكل الخيالي الغارق في البدائية، وباختصار فإن الشخصية العربية مأزومة، وأحد أسباب أزمتها ضمور عقلها، وعدم فهمها بطبيعة المجتمعات الأخرى، نتيجة المفاصلة التامة مع الآخر، باعتباره عدوا أو شيطانا متآمرا، وما يحدث في المسرح العربي الآن يحتاج إلى عقول متحررة، قارئة، ناقدة، تفهم صيرورة التاريخ، لتستطيع تفسير واقعها، وتعي جيدا أسباب تخلفها.