حينما كانت منتديات الإنترنت - أواخر التسعينات - هي الرئة الوحيدة التي يتنفس بواسطتها الناس، كانت تستوقفني ظاهرة لافتة، ألمحها بوضوح في كل منتدى.. وهي الهوس بالمسميات والألقاب!

هذا المشرف على المنتدى، وهذا المشرف العام، وذلك مسؤول القسم الرياضي، وهذه مسؤولة قسم الموضة.. وتحت كل عضو من الأعضاء الباقين، مسميات مختلفة.. هذا عضو ماسي، وهذا عضو نشيط، والثالث عضو متميز.. "مولد للألقاب"!

اندثرت المنتديات بخيرها وشرها، ولله الحمد، وبقيت شاهدة لأصحابها أو عليهم.. وجاءت وسائل التواصل الجديدة.. التي لا تعترف لا بالمسميات ولا بالألقاب.. تستطيع أن تضع تحت اسمك ما تشاء من أوصاف، لكن الذي يميزك هو ما ستقوله وما ستقدمه للناس!

اللافت أن هذه الظاهرة ما تزال متجذرة في صميم علاقاتنا بالآخرين.. الصورة لا تكتمل لدى البعض دون وجود لقب وظيفي يسبق الاسم.

دخلت إحدى الجهات قبل فترة.. ليس هناك أكثر من المراجعين المتكدسين سوى المسميات.. كل من يعمل في هذه الجهة يحمل لقباً، أو مسمى وظيفيا.. دون مبالغة، المرض متفشٍ في كل الأقسام والأدوار.. خذ قسم العلاقات العامة.. هذا وكيل الشؤون الإعلامية.. هذا المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام.. هذا رئيس قسم العلاقات العامة.. هذا مدير قسم الإعلام والنشر.. أقلهم من يحمل لقب سكرتير الوكيل للشؤون الإعلامية.. في كل مرة أسأل نفسي: أين هم الذين يحملون لقب" موظف"؟!

هذه الظاهرة بالمناسبة هي أحد معوقات جودة العمل، وارتباك مؤشر الإنتاج.. الذي يحمل هذه المسميات سيرفض العمل - في أقل الأحوال سيتحرك ببطء - ليس هناك مبرر لتكرار الحديث اليوم؛ سوى أنني أعتقد بأهمية إيجاد هرم وظيفي واضح في كل مؤسسة.. ليس من حق أي أحد وضع أي لقب غير موجود في الهيكل العام للمؤسسة.