إدانة الصهيونية، بالعنصرية ليست بحاجة إلى عناء كبير. فالأصل في هذه العقيدة هو عنصريتها، وما عداه من مؤسسات تحمل طابع الدولة المدنية الحديثة، هي رتوش تجميلية، لا تسمن ولا تغني، ولا تغير من واقع الأمر شيئا.

فمنذ البدء، استند البرنامج الصهيوني، لحيازة فلسطين، على نفي الآخر. فالفلسطيني في العقيدة الصهيونية، إما غير موجود أصلا، أو أنه أقل إنسانية، وأنه في أحسن حالاته قربان للحضارة. والإجهاز عليه، ومصادرة أرضه وممتلكاته، هو تحقيق لنبوءة الأرض الموعودة. وهو من جهة أخرى، تطبيق لمقولة البقاء للأفضل، حيث الأرض لمن يزرعها، أما الآخرون فمصيرهم التشريد والنفي، والقتل إن اقتضى الأمر.

هذه المنطلقات الصهيونية، ليست مواقف عابرة، فرضها تدشين المشروع الصهيوني على أرض السلام، ولكنها شيء ماثل أبدا، في صلب عقيدة المغتصب.

ونتنياهو، اليمني المتطرف، ورئيس حكومة الكيان الغاصب والرافض لحق الفلسطينيين في تقرير المصير، هو الأجدر، في التعبير عن عنصرية كيانه. ولذلك، يأتي تكريمه للحاخام يوسف الشريف، الذي دعا إلى قتل غير اليهود، "الأغيار"، في اتجاه منطقي وموضوعي.

في 23 من أبريل الماضي، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، مقالا بقلم سافي راخلفسكي، ناقش فيه، تأبين رئيس الحكومة، نتنياهو للحاخام العنصري، الذي طالب طيلة حياته بقتل الفلسطينيين، ونفيهم عن أرضهم. وقد وضع سلوك نتنياهو هذا، ووضعه العلم الصهيوني، فوق قبر الحاخام، حكومة الكيان الغاصب، في مصاف الشريك في جريمة المناداة بسحق "الأغيار".

لقد وصف الكاتب الإسرائيلي راخلفسكي، تصرف رئيس حكومته بالمثير للقشعريرة، وبأنه "نقل "إسرائيل" من دولة إلى "شركة عنصرية". وكانت تصريحات نتنياهو في هذا الشأن مستفزة ومقرفة. فقد وصف الحاخام العنصري، بأنه عنصر يهودي طاهر. وأصدر بيانا بهذه المناسبة، أعلن فيه تحيته لعظيم من عظماء التوراة، وفقيه في الشريعة اليهودية ومفت كبير. وأنه حاخام اعتقل لأنه وقف "خلف نظرية الملك – وشريعة قتل الأغيار".

أثار الحاخام يعقوب يوسف، أثناء حياته غضب قوى السلم في العالم، وكانت فتاواه العنصرية، موجهة بالدرجة الأولى ضد العرب. واصل دعواته العنصرية حتى آخر يوم في حياته. وكان بالإمكان التعلل بأن مواقفه العنصرية هذه، تخصه وحده، ولا تتحمل وزرها حكومة العدو، رغم أن ذلك مناف لأبسط الأمور. فسلوك الحكومات الصهيونية المتعاقبة، ممثلة في الزحف المستعمر على ممتلكات الفلسطينيين، وبناء المستوطنات فوقها، وهدم البيوت وإقامة المعابر والجدران العازلة، كلها تصب في خدمة تنظير هذا الحاخام، وتنفذ ما جاء بفتاواه. وهي في النهاية تتجانس مع اعتباره مفتيا كبيرا، كما صرح بذلك نتنياهو.

في هذا السياق، يتساءل الكاتب الإسرائيلي، راخلفسكي: ماذا لو أراد زعيم غربي أن ينتهج هذا السلوك، هل بإمكانه فعل ذلك تجاه اليهود؟ هل بإمكان أي كان في الغرب أن يصدر كتابا يشرعن لقتل اليهود، واعتبارهم أقل إنسانية من غيرهم؟. ويجيب الكاتب على ذلك بالقول، إن ذلك لو تحقق، لأخذ الكاتب إلى السجن. أما العنصريون في الكيان الغاصب فيصنفون، بأنهم مفتون كبار.

واقع الحال، أن هذه العنصرية، لا يوجد ما يماثلها سلوكا، حتى في أشد البلدان الإسلامية تطرفا، حيث لا توجد فتاوى أو تشريعات في الإسلام تجيز قتل اليهود أو قتل غير المسلمين. وحتى العمليات الاستشهادية التي ينفذها المقاومون الفلسطينيون بحق الصهاينة في الأراضي المحتلة، رغم أنها توجه ضد المحتل فإنها لا تزال، موضع جدل وخلاف بين العرب أنفسهم.

إن الحديث المتكرر، عن الأغيار، من قبل صقور الصهاينة، هو تعميق لفكرة الاصطفاء الصهيونية، وهي مبرر الحديث عن يهودية "إسرائيل"، التي هي من وجهة نظر العقيدة الصهيونية، حل جذري لشعب عانى من المنافي والاغتراب، ولم يختلط بالمجتمعات الأخرى، التي عاش لآلاف السنين في كنفها، وحمل هويتها وجنسيتها.

والحديث عن "الأغيار"، هو ما يمنح لقصة المحرقة، بهاءها، ويؤكد حضورها، في الذاكرة الجمعية لأنصار الحركة الصهيونية. والقصة تعيدنا إلى درس مهم يقدمه لنا العلامة العربي، ابن خلدون، حيث فقط باستمرار حالة العصبية، تستمر حالة التحفز، وما بعدها ليس سوى العمران، فالشيخوخة ونهاية وجود الدولة. بمعنى أن استمرار الكيان الغاصب في فلسطين، هو رهن لاستمرار حالة العداء للعرب. واستمرار حالة العداء شرطها استمرار حالة الحرب، ورفض كل مبادرات السلم. فهذه المبادرات، إن كتب لها النجاح، وذلك ما لن يسمح به عتاولة الصهاينة، من شأنها نقل المجتمع الإسرائيلي، من حالة التحفز إلى حالة الاسترخاء، فتنكشف سوءات النظام الصهيوني، وتتفجر الصراعات العرقية بداخله. فلا يسود وفاق بين اشكنازي وسفاردي.

وهنا يكمن بعض من المعضلة، ذلك أن النهج العنصري، ليس مجرد حالة استعلائية، من قبل أشخاص، ينحدرون من القارة الأوروبية، التي هي في الموروث الاستعماري، مركز العالم، بل إنه شرط استمرار وجود هذا الكيان المصطنع، وبزواله، لا يعود هناك كيان غاصب على أرض فلسطين.

وهكذا تبدو الفرادات الإسرائيلية المتنافرة، من اصطفاء إلى اضطهاد إلى تفوق، عناصر لازمة، لديمومة الكيان الصهيوني، ينبغي أن تبقى إلى ما لا نهاية، ومعها تستمر دائرة القتل، ورفض الآخر.

وحين يجري حدث ما، كحدث التفجيرات الأخيرة في بوسطن، فإن حكومة نتنياهو تسارع لاستثماره، واتخاذه دليلا ساطعا، أمام الغرب على صحة نهجها العنصري، فيرى العالم مبلغ فظاعة الإسلام، فيتفهم دوافع الصهاينة، في الاحتفاظ بالأرض، وعدم الاعتراف بحقوق "الإرهابيين" الفلسطينيين، ويصبح قتلهم مباحا، بل وسبيلا لتحقيق الأمن والاستقرار، للمجتمع البشري بأسره.

وإذن فتشريع قتل "الأغيار"، لا يرتبط بفتاوى الحاخامية التي تهيمن على المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتؤثر في المجتمع كله، حيث الحديث مستمر عن إباحة اغتصاب الأسيرات الفلسطينيات، وعدم التساوي "الضروري" بين اليهود و"الأغيار"، ولكنه عنصر أساسي لاستمرار حيوية هذا الكيان، وعدم سقوطه في الشيخوخة المبكرة.

ولن يكتمل البنيان العنصري للدولة المسخ، إلا بقتل التاريخ. وهو عمل، حاول الصهاينة، جاهدين العمل على تحقيقه، وبشكل خاص بعد حرب يونيو 1967، في حفريات مستمرة تحت أرضية المسجد الأقصى. يحدث ذلك، رغم أن الصهاينة يعلمون علم اليقين، بعدم وجود ما يسند أسطورتهم، ولكن الحفريات في جوهرها، جزء من الفعل، ولتذكير العالم، بأن هناك رواية أخرى، تستحق النظر فيها، غير رواية التاريخ...

وحين تتعادل الظنون والشكوك، ينتصر الزيف على الحقيقة، وهو ما لا تدعمه حقائق الوجود حتى هذه اللحظة، وهو أيضا ما لا يلوح في الحسبان.