وفي العراء، وفي الهواء الطلق، أكتب لكم اليوم على الورقة (البيضاء) الجافة من فوق أطلال قريتي الجبلية التي اعتادت نهايات أبريل ومطلع مايو أن تستحم بالسحاب وأن تتعطر بالضباب.

حتى ظاهرة (البيضاء) المطرية ركبت موجة الزمن، وسحبت من قريتي ما اعتادت عليه منتصف كل ربيع لتتركها تحترق تحت سياط هذه الشمس اللاهبة.

وحتى في قراءة الأرصاد ونشرات تقاريرها وأخبارها، فالأنباء تقول إن نصيب قريتي الجبلية سيكون في اليومين الأخيرين من ظاهرة (البيضاء) هذا إن تبقى لها قوة دفع كي تصعد هذا الجبل أو استطاعت مخالفة المألوف في القوانين الطبيعية لتسافر عكس الريح من الشرق للغرب أو حتى إن بقي في ركائم سحابها ما تهدي لقريتي بعد أن صبت (سخائمها) أول الأسبوع ومنتصفه.

غريبة هذه السحب حتى في الطبيعي المألوف: كانت كل نهاية أبريل لا تغني إلا (يا الله بتالي ليلة عقربية) ولكنها اليوم ترقص على (سرى البارق اللي له زمانين ما سرى).

وسبحانه الرحمن الرحيم الوهاب المنان وأستغفره ألف مرة وأتوب إليه وأنا عبده الفقير المسكين، إن قرأت أو تفكرت وتأملت في سيرة هذه المطرية (البيضاء) التي هبطت على الأرض بقدر سماوي ثم قلت، إن فيها من مقارنة ومقاربة مع واقع الأرض البشري.

أستغفره عز وجل وعلا، إن قلت إنني اليوم أكتب من مزرعة أهلي (حظيرة آل موسى) تحت سياط الشمس في مطلع مايو، وما زالت هذه (الحظيرة) الشهيرة تنتظر بشائر نهاية الأسبوع. تنتظر، وكالعادة، رجيع السحاب وتخمينات خبراء الأرصاد والطقس.

قلت لمزرعة أهلي وأنا أودع أغلى بقاع الأرض لنفسي وأثمن ما في هذا الوجود لتاريخ (جدي) الذي يشبه اسمي بالضبط: لماذا الإصرار على العرضة الجبلية، حتى في زمن (البيضاء)؟ لماذا لا ترقصين نهاية الأسبوع على:

سرى البارق اللي له زمانين ما سرى

صدوق المخايل بارقه يطرب الساري