وأي قراءة لمقالي اليوم دون ربطها بما كتبته بالأمس، ستظل قراءة مجتزأة ومبتورة عن السياق. ولأخي الفاضل الدكتور سلمان العودة سأقول إن الكلمة والتغريدة حين تخرج من لسان أو أصابع صاحبها ستصبح مثله شخصية عامة وأنت الصدر الواسع للاختلاف والنقاش. وقبل أن يكون (مطلب العدالة لأبنائنا في العراق) هاشتاقا تويتريا للتشكيك في حرص هذه الدولة، قيادة وشعبا، على رعاياها في سجون العراق سنطلب أن تكون الجملة بكل الوضوح والصراحة: من الذي دفع بهؤلاء الشباب إلى كل هذه المعارك التي برهنت الأحداث أنها بلا راية؟ وحتى إن غرقت ذاكرة الشعوب الجمعية في غياهب النسيان مع تقادم الزمن، فإن ذاكرة الأوراق والبيانات وأسماء موقعيها قادرة على البقاء ألف عام في الأرشيف. وبين يدي الآن، أخي الكريم (أبا معاذ) كامل أوراق (بيان الـ26) الصادر في 24 نوفمبر 2004. وأنتم ياصاحب الفضيلة (عراب) البيان وذروة سنام قائمة التوقيع، وفي البيان دعوة واضحة للشباب للجهاد في العراق، وفيه أيضا ختام الفقرة الأخيرة حين (ندعو الإخوة في العراق لاستقبال هؤلاء المجاهدين وتمكينهم لأنهم جاؤوا لنصرتكم....). وكل الذي نعرفه بعد تسع سنوات من البيان الشهير هي الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: إن عالما واحدا من الموقعين على البيان الشهير لم يدخل العراق كي (يفعل ما قال).
وبحسب أرشيفي عن البيانات، فإن (بيان 26) هو أول بيان دفع بآلاف الشباب السعودي إلى هذه المأساة التي تطالب فيها بعد عقد من الزمن بتحقيق مطلب العدالة.
الحقيقة الثانية: إن هذا الجهاد الذي سماه (بيان 26) قد أودى بحياة 8 آلاف طفل في العراق في قتل عشوائي وهم لم يبلغوا بعد سن العاشرة. ثم تأمل أخيرا يا صاحب الفضيلة هذه الحقائق الرقمية من خراج هذه البيانات: ففي الوقت الذي تذكر الأرقام أن 21 ألف سعودي ذهبوا للجهاد في أفغانستان كانت ذات الفترة من التاريخ تشهد وصول نصف مليون أفغاني للعمل والحياة في المملكة. وحين ذهب بضعة آلاف من شبابنا للجهاد في العراق كان العراق يشهد هجرة ثلاثة ملايين عراقي للحياة خارج بلده. نفس الأرقام تتكرر في سورية فلماذا هذه الفزعة لتجييش (السعودي الأممي) الذي يحارب في بلاد الآخر وعنهم بالوكالة بينما يبحث شباب ورجال تلك الشعوب عن فرص الحياة حين تفرغت البيانات لشحن شبابنا إلى موت، بلا راية!!