يشير الياباني (نوبوأكي نوتوهارا) صاحب كتاب "العرب: وجهة نظر يابانية" إلى مثال للزيف المستشري في ثقافتنا العربية، وهو تسابق بعض الأفراد إلى شراء سيارات فخمة يجعلونها ميزة للمفاخرة والتعالي بها على الآخرين، ويقول باستغراب: إن الأمر في الدول المتقدمة صناعياً مختلف تماماً، إذ لا تختلف ملكية سيارة فخمة عن ملكية دراجة هوائية!
الأمر ذاته يحدث في قضية الشهادات الوهمية. فثمة مفاجآت لم تكن أبداً في الحسبان، منذ أن ظهرت هذه القضية عبر وسم "هلكوني" على موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي، فالأمر المريب واللافت في القضية: هو كيفية حصول شخص ما على درجة عليا من جامعة لا وجود لها على أرض الواقع من دولة لا يعرف لغتها أصلاً؟! وكيف أيضاً يحصل شخص آخر على درجة من دولة - ربما عربية - لم ينتظم بالدراسة الجادة فيها؟!
في هذه القضية اتضح تهافت أولئك (الدكاترة) ودرجاتهم (اللا علمية)، وبالتالي تهاوت المصداقية واهتزت الصورة الناصعة حتى تحطمت على واقع الوهم. وفي ثقافتنا العربية، ما زالت الدرجة العلمية معياراً لتقدير القيمة الاجتماعية للشخص، وطريقة للتعامل المميز معه حتى لو كان فكره "فارغاً"!
وهذا نتيجة اهتمام المجتمعات العربية وهوسها بالمظهر على حساب الجوهر، ولأن حرف (الدال) - بغض النظر عن صحته - يمكن أن يقلب موازين القوى في العالم الثالث، مما جعل البعض يتجه لشرائه، فهو أسرع وسيلة للصعود في المجتمع، سواء خارج الحقل الأكاديمي أو داخله أحياناً.
وثمة أمر آخر لا يقل أهمية، وهو أن الشهادات الوهمية كان مصدرها الغرب المتقدم، إلا أن الاختلاف يكمن في تعامل مؤسسي الجامعات الوهمية مع الأمر، إذ لم يكن للوجاهة الاجتماعية، بل كان هدفه الكسب والثراء السريع على حساب أولئك الباحثين عن ذواتهم! فالبحث عن تقدير الذات، والوصول السريع، هو ما قاد البحث عن الوجاهة الاجتماعية وبالتالي إلى "شراء" الدرجات العليا الوهمية، وقد حقق كثيرون ما أرادوا في فترة معينة إلى أن انكشفت الأوراق، فأصبحت الوجاهة وهمية والتقدير الاجتماعي مزيفاً.
آخرون صححوا الأمر بالقول إنهم خُدعوا من قبل تلك الجامعات وقاموا بإحراق وثائقهم الوهمية، ولكن ما زال بعض نجوم المشيخة والإعلام ومدربي تطوير الذات يقاتلون في التبرير، ليس لأجل إثبات صحة الدرجات الوهمية فحسب، بل لخداع المجتمع بالقول إن ما فعلوه كان لهدف خدمة الدعوة، لكنهم في حقيقة الأمر لم يقدموا تبريراتهم هذه إلا لرعاية مكاسبهم ومواقعهم الحالية، بعد أن اهتزت الثقة بهم - ولا سيما أصحاب الأسماء المعروفة - وظهرت الحقيقة وعُرفت مصادر مؤهلاتهم التي لم تكن على أسس صحيحة، ورغم ذلك بعضهم ما زال يقاوم بالإصرار على وضع حرف الدال أمام اسمه، ووصف كل من عرج على الدال الوهمي بالغيرة والحسد وسوء النية والطوية!
على هؤلاء أن يتعلموا من رموز كبيرة في فضاء العلم والثقافة والمعرفة، ففي الغرب هنالك أسماء كبيرة لعلماء ومخترعين وفلاسفة - بعضهم يحمل أكثر من درجة دكتوراه - لم يكونوا حريصين على وضع اللقب، فالإنجاز الحقيقي هو الفيصل لا اللقب ذاته، بل جرت العادة أن يوضع اسم الشخص ثم يوضع تخصصه (دكتوراه في كذا).. الأمر ذاته في بعض الكبار في عالمنا العربي، إذ لا يحرص أساتذة كبار على وضع هذه الدال أمام مؤلفاتهم، وأعتقد أن الأديب الراحل غازي القصيبي، لفت نظر كثيرين في المجتمع السعودي للزهد في الألقاب، مع مشروعية استخدامها إن استخدمت، حيث لم يضع في مؤلفاته أي (زوائد)، بل كان يكتفي بوضع اسمه على الكتاب فقط!
الأمر استفحل في السنوات الأخير، فبعد الانتقادات التي كانت توجه لبعض أصحاب الدرجات العلمية التي حصلوا عليها بجدارة، بوضع اللقب في مؤلفاتهم، ظهر أصحاب الدرجات الوهمية بغزارة، ويبدو أن الأمر يتجاوز الوجاهة إلى التجارة في هذا اللقب، مما يستلزم وقفة وطنية حازمة، فقد أصبح الناس مضطرين إلى سؤال الشخص من أين حصل على درجته العلمية قبل مناداته باللقب الرنان! وهنا أقترح إنشاء رابطة لخريجي جامعات "هلكوني" ما دام أن بعض الجهات الحكومية ـ مع الأسف ـ تدعم ظاهرة الشهادات الوهمية بإغلاق أي مواقع للتوعية بها، على اعتبار أن الأمر يندرج تحت بنود التشهير والجرائم المعلوماتية.