رغم تاريخهم الطويل وتجربتهم التي أنتجت مؤسسات وهيئات سياسية ومالية ودعوية عابرة للعالم؛ إلا أن المتابع للحالة "الإخوانية" لا بد أن يسأل حائرا: كيف لم يستطع هذا التيار الفكري السياسي إنتاج تجربة نجاح إعلامية واحدة على الأقل؟ مؤسسة صحيفة، قناة، مشروع.. أي شيء!
"الجزيرة" لم تكن مشروعهم، بل تم الاستحواذ عليها في الحقبة "الخنفرية" وتحويلها لمنصة رواج، ما فعله أحمد منصور في غالب نتاجه كان محاولة إدانة الحقبة الناصرية المدانة أصلا بأخطائها، مصر بعد عامين من الثورة أحدهما "إخواني" بصلاحيات مطلقة لم تستطع تقديم مجرد خطاب يشرح وجهة "الحزب الحاكم" فيما يواجه من إدانات ونقد، كل ما في الموضوع تهم توزع محليا وإقليميا بحثا عن "مظلومية تاريخية" ما، واضح أن عدم التحرر من فكرة "التبليغية" صعب جدا، "التبليغ" المتصادم روحا مع السجالية. برنامج القرضاوي "الشريعة والحياة" مثلا بعد سنوات طويلة من الظهور التلفزيوني الأسبوعي ما زال مسبوغا بتلك الروح الدعوية التبليغية، حيث المحاور عامة والشروحات طويلة والاستشهادات شرعية، مجرد درس أسبوعي، هذا ما تنتجه القمة الروحانية التنظيمية، فما بالك بمنتجات من هو أدنى تنظيميا وحزبيا.. لذا فالروح والرؤية "الإخوانية" المتشكلة في فضاء استحواذي كامل وسري تتعارض في جوهرها مع السجال، فالتنظيم الصارم لا يقبل الجدل، والالتزام الانضباطي لا يحترم النقاش، وما الإعلام إلا ذاك، والتجربة التي طالت لأكثر من خمسة وثمانين عاما بفضائها وبواعثها الفكرية سيكون عليها أن تعاني كثيرا لتتحرر من هذه التقييدات الهائلة وتتخلي عن قيمة أساسية في مشروعها، التي طالما سوقت عبرها كل الأفكار، وأقصد أفكار التبليغ، واستبدالها بالحوار، لكن كيف يمكن لمن هو غير مقتنع أساسا بفكرة الحوار السياسي عبر سلوكه المهيمن وأدائه الاستحواذي أن يقتنع بفكرة أكبر وأكثر عمقا! وعبر هذا الترنح السياسي والإعلامي سيكون علينا الانتظار طويلا، لأن مؤشرات التغيير السياسي والفكري لا بد أن تكون إشاراته ومبشراته إعلامية، وأظن أن ذلك بعيد.. أبعد مما نتصور جميعا.