في السنوات العشر الماضية على الأقل كانت السوق السوداء للتعليم "الدروس الخصوصية" موجهة بدرجة كبيرة لطلاب التعليم العام خاصة طلاب المرحلة الثانوية، وتنتشر إعلانات مقدمي هذه الخدمة (المدرسين الخصوصيين) عند المحلات التجارية، والأسواق، والصيدليات، ويزيد الطلب على الدروس الخصوصية بشكل ملحوظ في الأيام التي تسبق الاختبارات النهائية حتى أن بعض معلمي الدروس الخصوصية يعمل عشرين ساعة في اليوم الواحد في هذه الأيام (أيام الموسم)، وقد يجد الشخص مبررات لقبول الدروس الخصوصية لطلاب التعليم العام نظرا لعدد من العوامل قد يكون من أهمها عدم تمكن المعلم من تخصصه في بعض المواد كالرياضيات، واللغة الإنجليزية، والتخصصات العلمية مثل: الكيمياء، والفيزياء)، ولعدم تمكنه من بعض الجوانب المهنية التي تتطلبها مهنة التدريس في ضوء متطلبات المناهج الجديدة التي تم تطبيقها في السنوات القليلة الماضية، ولضعف إعداد الطلاب في المراحل التي تسبق المرحلة الثانوية، وعدم متابعة أولياء الأمور لأبنائهم بصفة مستمرة، كل هذه العوامل تجعل الطالب يحتاج لدروس التقوية الخصوصية، وأدى ذلك إلى ازدهار السوق السوداء للتعليم، والمشكلة هنا ليست في الدروس الخصوصية، بل المشكلة الحقيقية في خلفية، ومؤهلات من يقدم هذه الدروس لأبنائنا، وبناتنا؛ ففي كثير من الأوقات نجد أن تخصصات من يقدم هذه الدروس بعيدة كل البعد عن التخصص الذي يقوم بتدريسه، فقد نجد شخصا متخصصا في العلوم الإدارية، أو المحاسبة، أو الجغرافيا يدرس الطلاب في اللغة الانجليزية، أو شخصا متخصصا في الرياضيات يقوم بتدريس الكيمياء، والأمثلة كثيرة، الجانب الآخر الذي يترتب على هذه الدروس الخصوصية أن كثيرا منها يركز على تدريب الطلاب على حل أسئلة الاختبارات بالدرجة الأولى، وبذلك تخرج الدروس الخصوصية عن إطارها الصحيح، وهذا ينعكس سلبا على المتعلم، وعلى تحصيله العلمي، وتعلمه.
ولم يقتصر الأمر على طلاب مراحل التعليم العام، بل تعدى ذلك إلى طلاب التعليم الجامعي، فقد انتشرت في السنوات القليلة الماضية أيضا الدروس الخصوصية في عدد من التخصصات العلمية، والطبية، والحاسوب الآلي، واللغة الإنجليزية، والرياضيات، وهنا يبرز سؤال مهم عن مستوى التعليم الذي يتلقاه طلابنا في المرحلة الجامعية، ولا بد من التعرف على أوجه القصور ومصادرها، فقد يعود ذلك لأسباب تتعلق بالطلاب أنفسهم مثل مستوى تحصيلهم، وتعلمهم في مراحل التعليم العام، أو عدم اهتمامهم وحماسهم للتعلم في بعض التخصصات الجامعية، كما قد يكون السبب في ذلك نوعية أعضاء هيئة التدريس الذين يقومون بتنفيذ الخطط الدراسية، والتدريس في هذه المرحلة من حيث تمكنهم من مادة التخصص، والضعف في لغة التدريس، وعدم توظيفهم لأساليب واستراتيجيات التعليم الجامعي المناسبة للمقررات التي يقومون بتدريسها، وغير ذلك من الأسباب التي تدفع طلاب المرحلة الجامعية للتوجه للدروس الخصوصية، ومشكلة الدروس الخصوصية سواء في مراحل التعليم العام، أو الجامعي بحاجة لدراسة علمية شاملة لتقصيها من كافة جوانبها والوقوف على مسبباتها، وإيجاد الحلول المناسبة لها وفق خطة واضحة قابلة للتطبيق.
وقد يكون من ضمن الحلول الجذرية لهذه المشكلة تدريب المعلمين بشكل مكثف في المجالات التخصصية، والمهنية، وحسن اختيار أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، كما أرى أن على ولي الأمر إذا كان ولا بد من الدروس الخصوصية أن يتأكد عن خلفية مقدم الدروس الخصوصية، وتخصصه، وتمكنه من تخصصه قبل موافقته على انضمام ابنه أو ابنته لهذه الدروس، ومن الأولى أن يتم تكثيف دروس التقوية التي تقدمها المدارس الحكومية؛ لأنها هي الحل المناسب في هذه المراحل، وأن يتم ذلك وفق الآليات التي تم تحديدها لتنظيم هذه الأنشطة، وعلى طلاب المرحلة الجامعية الاستفادة من أعضاء هيئة التدريس في أثناء دراستهم بالجامعة من خلال زياراتهم في الساعات المكتبية لأعضاء هيئة التدريس، ومناقشتهم فيما يشكل عليهم، وفيما يحتاجونه، وما يصعب عليهم فهمه وإدراكه، حيث إن الساعات المكتبية مخصصة للطلاب، كما أن الجامعات مطالبة بتفعيل وحدات الإرشاد الأكاديمي بشكل كبير للتعرف على المشكلات الأكاديمية والتعرف على المعوقات، والصعوبات التي تواجه الطلاب في تعلم بعض المقررات الأساسية التي يلجأ فيها الطلاب للدروس الخصوصية، ومن ثم التغلب على هذه المشكلات التي تواجه تعلم الطلاب فيها؛ فالدروس الخصوصية ما هي إلا استنزاف للأموال بدون عائد تعليمي مناسب؛ فلا نريد أن يكون خريجو التعليم العام، أو الجامعي هم مخرجات الدروس الخصوصية، فلقد أدت هذه الدروس إلى التأثير السلبي بشكل مباشر، أو غير مباشر على دور المدارس، والكليات في هذا المجال.
وقد تنتقل عدوى الدروس الخصوصية من مراحل التعليم العام، والتعليم الجامعي لبرامج الدراسات العليا التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي، وعند ذلك "على الدراسات العليا السلام".