لم تعرف عدسات المصورين الأحسائيين طريقاً مشعاً أجمل من الوقوف أمام نخلة "هجرية" امتد عمرها لعشرات السنين، وكلما استطالت وقاربت على الستين عاماً أتعبت العدسات وأصحابها بشموخها ومطاولة السماء، حتى تشيب الكاميرا، و"العمة" لم تنحنِ بعد، ومع كل مصور محترف تبدأ قصة إعجاب وصلة رحم مع "الباسقات والطلع النضيد".

الإعلامي والمهتم بشؤون الصورة جعفر عمران أوضح لـ"الوطن" أن النخلة بجانب ما تشكله من هوية للمملكة بشكل عام، و للأحساء بشكل خاص، فهي ليست مادة جمالية يعشقها المصورون يتفنون في تصويرها ويتقنون التقاط الصور الجميلة فقط، بل تعيش "العمة" في ذاكرتهم وتسكن فيها بشكل عميق، فهي مهنة أجدادهم وحرفتهم ورزقهم الذي لم يتخل عنهم يوماً ما، وهي مأكلهم اللذيذ الذي لا يمل بما تجود به من الرطب والتمر، وتوارث الآباء والأبناء هذه المهنة وهي تعيش معهم في حياتهم اليومية، بما يستخدمونه من أدوات يتم تصنيعها من مخلفات النخلة، بالإضافة إلى الدبس والحلويات التي تصنع من التمر ويتم تناولها في جميع المناسبات والمواسم، من هنا يأتي ارتباط أبناء الأحساء بالنخلة، ومنهم المصورون فهم يلتقطون الصور لها في جميع أحوالها، حتى لو كانت ميتة وبلا رأس، يرون في ذلك موضوعاً آخر فهم لا يصورون شكلا جامداً، بل روحاً مليئة بالوفاء والصبر والشموخ وتاريخاً يحمل في ذاكرته العطاء والبذل وعلاقة حميمة مع الأرض والماء والإنسان.

المصور الفوتوجرافي حسن بوحليقة له رؤية موازية لرؤية العمران، يقول فيها: "إضافة إلى تشابه النخلة مع الإنسان في أشياء كثيرة ومنها طول العمر والنمو الطولي وتنوع بشرة ثمارها وأشكالها، إلا أنها تبقى عند المجتمعات التي تنبت وتزدهي فيها، ومنهم أهل الأحساء، رمزاً عريقاً في تاريخ الواحة، وهي جزء من تراثنا الذي لايزال حياً، ونعود للمصورين فهم يجدون فيها أشياء كثيرة، قد لا يستطيع الفلاح شرحها، ولكن العدسة تختصر ذلك المشهد الجميل للنخلة، وكم من مصور حصد جوائز متقدمة من "العمة" التي تتحمل حر الصيف وبرد الشتاء من أجل أن تطعمنا رطباً جنياً، بعد أن كانت قديماً، عموداً مهما في إنشاء البيوت.