تصدرت دول الخليج العربية ترتيب العالم العربي في التوجه نحو مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على المعرفة، بحسب تقرير البنك الدولي لعام 2012، لكن تقرير مؤسسة الفكر العربي يضع شروطا مهمة لمعادلة نجاح الدول العربية في هذا المضمار، يربطها بتبني سياسات وطنية في التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة ومنها مجال الصناعات الإبداعية والثقافية.

وينصح القائمون على التقرير الإقليم الخليجي رغم تقدمهم الترتيب، بزيادة الاستمثار في المعرفة بمعدلات كبيرة، وإحداث تغيير جذري في نوعية الاستثمار، الذي سيؤثر على الإنتاجية والتنافسية، وحجة أصحاب التقرير في التأكيد على السابق هو ما بلوره في مفردة "التحسن البطيء" للدول الخليجية، مقارنة ببعض الدول النامية، وذلك عند مقارنة ترتيبها بدول أخرى في تقارير السنوات السابقة.

وفي مفصل آخر لا يقل أهمية عن الآخر يؤكد التقرير ما وصفه بـ"تعاظم" إسهام الصناعات الثقافية في الناتج المحلي في بعض دول العالم، إلى جانب قطاعات صناعات كبيرة، مثل : الصناعات الغذائية، وقطاع البناء، وقطاع الحواسيب وملحقاتها.

وكما بلغت مساهمة الصناعات الثقافية لدول مثل أستراليا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا أكثر من 3 % من الإجمالي العام للناتج المحلي، وتستحوذ صناعات النشر والطباعة والدعاية والألعاب الإلكترونية على نسب عالية من ذلك الناتج.

أما إسهام الصناعات الثقافية في توفير فرص عمل وظيفية، فهي كبيرة على حد التقرير، إذ تزيد في بعض الدول كالدنمارك عن 12 %، والسويد 10 % ، و4.3 % ببريطانيا، و3.2 % بهولندا.

ووفقاً لآخر دراسة أجريت على أفضل عشر دول نامية مصدرة "للسلع الإبداعية" عام 2008، لوحظ تصدر الصين أفضل 10 دول مصدرة للسلع والخدمات، فبغلت قيمة صادراتها الإبداعية قرابة 85 مليون دولار، والهند بتسعة ملايين ونصف المليون دولار، وتتصدر صناعات التصميم قائمة تلك الصناعات، تليها صناعة النشر، ثم الحرف الفنية والفنون المرئية.

وتتصدر السعودية دول الخليج في الصادرات من السلع والخدمات الثقافية – وليس الإبداعية- بحوالي 12 مليون دولار، وفي الواردات حوالي 133 مليون دولار، ويوضح التقرير وجود خلل بين قيمة الواردات والصادرات مؤكداً أن ذلك الاختلال ينسحب بين الصادرات والواردات على دول مجلس التعاون الخليجي ككل، كما تتبوأ سلعة الكتب قائمة تلك السلع.

أرقام ودلالات مهمة يبرزها التقرير حول اعتماد الاقتصادات الكبرى عالمياً (الولايات المتحدة الأميركية، الاتحاد الأوروبي، اليابان، كوريا الجنوبية، الهند، الصين)، على الصناعات المعرفية والثقافية التي بلغت وفقاً لآخر دراسة نشرها مؤخراً التقرير العربي الخامس للتنمية الثقافية في نوفمبر الماضي، أكثر من 18 تريليون دولار أميركي، أي بنسبة 30 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

إشارة حيوية ذكرها التقرير تتلخص في اعتماد تلك الاقتصادات الخمسة التي تدير 90 % من الإنفاق على البحث والتطوير في العالم. كما ساهم الاعتماد على تلك الصناعة في الحد من البطالة، وتوفير فرص عمل لمواطنيها.

التقرير يضع عددا من الخصائص، حول الاقتصاد القائم على المعرفة الذي استفادت منه الدول السابقة منها الاعتماد على القوة العاملة المثقفة ذات المستوى التعليمي الرفيع، وارتفاع نصيب الفرد من الدخل القومي، وتوافر بيئة اجتماعية جاذبة للمواهب العالمية، وارتباطه بشكل وثيق بمصادر المعرفة العالمية، وتشكيل تقنية المعلومات والاتصالات فيه على الأداة الرئيسة لفعالياته.

الدول الآسيوية التي أبرزها تقرير مؤسسة الفكر العربي هي كوريا الجنوبية، التي أنشأت وزارة باسم "وزارة الاقتصاد المعرفي"، وحققت نمواً كبيراً في الناتج المحلي الإجمالي، منسوباً لعدد السكان نتيجة التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة، وانتقالها في النمو من اتباع منحنى الدول النامية إلى مصاف الدول المتقدمة في أربعين عاماً، وزيادة دخل الفرد من حوالي ألفين دولار في 1970، إلى عشرين ألف دولار في 2011.