-1-

صباح الخير يا نخل العراق.. صباح الخير يا نهر الفرات ويا نهر دجلة. صباح الخير يا نخل العراق الباسق المعطاء. مساء الخير يا حضارة سومر، والكلدان، وآشور، وكل الحضارات القديمة والعريقة التي قامت بين الرافدين. صباح الخير يا حاضرة عالم الأمس، بغداد العباسية.

أين العراق اليوم، وكيف أصبح وأمسى، منذ 2003، وبعد أكثر من تسع سنوات من القتال، والفداء، والتضحيات، والحرمان، والوعد.

صحيح أن المدة كانت قصيرة بين التحرير وتحقيق الديموقراطية، ولكن هذه المدة الآن تعادل أكثر من عشرين سنة من سنوات القرن العشرين، وأكثر من خمسين سنة من سنوات القرن التاسع عشر، وما قبل ذلك. فأين العراق اليوم؟

-2-

حال العراق اليوم – كما ترون – تعيسة. وهي حال ليست بأفضل من حال كثير من البلاد العربية؛ فالفساد المالي في العراق في أبشع صوره. وكان تقرير "منظمة الشفافية الدولية" الألمانية، الذي قال إن الفساد في العراق لا مثيل له في السوء والقبح في تاريخ البشرية كلها تقريراً مفزعاً ومخيفاً حقاً.

ولعل أنباء السرقة والنهب من المال العام، من قِبل بعض السياسيين المنتفعين العراقيين، التي تزكم الأنوف برائحتها الكريهة، دلائل كافية على مدى استشراء الفساد في العراق، منذ 2003 إلى الآن.

والمعارضة العراقية، تصرخ في وجه "الدكتاتورية الخضراء" العراقية قائلة:

"في العراق المدمّر المخرّب المتخلف، ينصرف معظم الوزراء إلى السرقة، ولا يجدون ردعاً من رئيسهم الذي يدفع عنهم طائلة المساءلة، والحساب. في هذا العراق يهتم النواب (المنتخبون!) بكل شيء إلا حاجات، ومصالح الناس الذين [انتخبوهم].. يهتمون برواتبهم، وامتيازاتهم، وعقاراتهم، وشركاتهم، وطوائفهم، وأحزابهم، ومليشياتهم، وعشائرهم، ولا يجدون بالتالي أي وقت، للاهتمام بشؤون الناخبين".

-3-

لقد حكمت الدكتاتورية العربية لسنوات طويلة في كثير من البلدان العربية. وتراوحت مدة هذه السنوات بين 30-40 عاماً. وفي مصر كان حزب واحد هو الحاكم. كذلك الأمر في تونس، وفي سورية.. إلخ. وفي العراق نشاهد الحال ذاته.

فقد حكم "حزب الدعوة" الموالي لإيران، وفتح أسواق العراق على مصراعيها لإيران، بحيث باعت إيران في العراق، ما مقداره 9 مليارات دولار عام 2010، وهو يوازي ما باعته إيران للعراق في التاريخ كله. وقفز هذا الرقم إلى 11 مليار دولار عام 2011 ، وزاد في عام 2012، كما صرَّح الملحق التجاري الإيراني في بغداد. وسيحكم "حزب الدعوة" خمس سنوات أخرى حتى 2015. ويتولى (أمين عام الحزب) رئاسة الوزراء إضافة إلى وزارات أمنية سيادية أخرى، قال إنه لم يجد شخصيات سياسية عراقية صالحة، لتولي حقائب هذه الوزارات. فتولاها هو باعتباره – حسب رأيه – الجدير بتولي حقائب هذه الوزارات. وتلك سابقة لم يشهد العالم العربي مثيلاً لها حتى الآن.

-4-

إضافة إلى كل ذلك، فإن "الديموقراطية" التي يتحدث عنها الحكم في بغداد، هي "الدكتاتورية الخضراء"، التي كانت سائدة في عهد حسني مبارك، ومن هم قبله.

فحرية الصحافة المقيدة، ليست هي الديموقراطية.

وحرية القول، ليست هي الديموقراطية.

الديموقراطية في واحدة من آلياتها هي الشفافية. وهي محاسبة ومعاقبة المسؤول أياً كان هذا المسؤول، كما هي الحال في بعض دول الغرب. فمن يجرؤ على محاسبة المسؤول في بغداد على ما اقترف، وما اقترفه حزبه طيلة السنوات الماضية من عهد الجمهورية العراقية الجديدة. فأين هي الديموقراطية في العراق الآن؟!

-5-

المثقفون العراقيون في المعارضة، يدركون الدكتاتورية الجديدة التي يعيشها العراق، ويصرخون في وجه الطبقة الحاكمة في العراق، بلسان أحدهم:

"الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، بخلاف الكائنات البشرية وسائر الكائنات الحية، أظهرت طوال السنوات المنصرمة، أن العمر ليس له أحكام لديها، فهي لا تكبر عقلياً، وليست قادرة على تعلّم أي شيء له علاقة بفن الحكم والسياسة، أو اكتساب أية مهارة أو خبرة، تجعل من أفرادها رجال دولة، يحوزون الحد الأدنى، على الأقل، من التقدير، والاحترام".

ويضيفون:

"في العراق طبقة سياسية لا تصلح للحكم أبداً. السنوات المنصرمة، كانت كافية تماماً لاختبارها بدل المرَّة الواحدة مرات عديدة. العراق يحتاج إلى طبقة سياسية غير هذه الثمرة المُرَّة لنظام المحاصصة الطائفية.

العراق في محنة كبيرة مديدة، وهو في حاجة إلى طبقة سياسية، مبدعة في كل شيء، تنقذه من هذه المحنة المقيمة.

الطبقة السياسية الحاكمة الآن أثبتت، وبعد اختبار دام أمده سنوات عديدة، أنها غير قادرة على الإنقاذ. وليس في مستطاعها حلّ أية أزمة. بل إنها تبدو بارعة في تحويل الأزمات الصغرى إلى أزمات كبرى".

-6-

فالفساد، قاد العراق خلال السنوات الماضية إلى الخراب، الذي صوَّرته المعارضة العراقية الجديدة، بقولها:

"العراق، بلد الثراء على نحو أسطوري، لم يزل بعد سنوات عدة من الخلاص من دكتاتورية البعث الشنيعة، على حاله، من الخراب والدمار والتخلف. بل إنه الآن في حال أسوأ بسبب انعدام الأمن. وهذا كله يرجع إلى طفولة طبقته السياسية النافذة، التي لم تكبر يوماً واحداً، منذ أن قدّم إليها الأميركيون والبريطانيون عرش صدام على طبق من ذهب". ويتابعون كشف الفساد المستور، والمال المسروق: "العراق الغني بثرواته، هو الجائع أبداً... ففي العراق العائم على محيط من النفط، يتضور الناس جوعاً، ويكابدون مرّ المكابدة من شحّ الخدمات الأساسية: الماء، الكهرباء، الصحة، التعليم، الصرف الصحي، النقل..إلخ، فيما وزراؤهم ونوابهم ينفقون أوقاتهم في التنابز بالألقاب، وفي المماحكات السياسية والطائفية.

ويحترق نخل العراق، في عزِّ هذا الربيع العربي المزعوم!