قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال زيارة إلى الأهواز: إن إيران بحاجة لانتخابات يشارك فيها 50 مليون ناخب، وحذر "الآخرين" من إملاء قواعد الانتخابات. وأضاف نجاد أن المرشد الأعلى أكد أن كل شخص له صوت واحد فقط، "فكيف يجرؤون على تحديد من يستطيع ترشيح نفسه ومن لا يستطيع؟ هذا شأن الناخبين" وليس شأن الآخرين.

الانتخابات الرئاسية، التي يفترض أنها أكبر حدث سياسي في إيران، لم تصل إلى الذروة بعد. بقي أقل من ستة أسابيع للانتخابات، وما يزال من غير الواضح من هم المرشحون الرئيسيون، ولم تبدأ المناظرات حول برامج المرشحين والرئيس المحتمل بعد. الهدوء حول الانتخابات قد يكون خدعة لتجنب أي رد فعل شعبي غاضب على خيبة آمال الناس السياسية والاجتماعية. لكن المجتمع الإيراني مشغول بأمور أخرى. المنافسة بدأت ضمن الطبقة الخفية من أبناء النخبة السياسية الذين هاجمهم نجاد بقوة أثناء زيارته إلى الأهواز.

في جميع الأحوال ـ ورغم عدم التصريح عن أسماء المرشحين رسميا ـ تتجه الأنظار إلى رئيسين سابقين، هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي. وقد أعلن الاثنان عن رفضهما لقبول دعوة مؤيديهما للترشح في الانتخابات القادمة. هاشمي رفسنجاني قال صراحة: إن المرشد الأعلى لا يثق به، وأنه لا يريده أن يترشح للرئاسة. أما خاتمي فقد عبر عن الأمر بطريقة مختلفة حين قال للناس: إن فوزه في الرئاسة سوف يتسبب بارتفاع الأسعار وبضغوط كبيرة، وأضاف أنه مستعد لأي تضحية لخدمة الشعب، لكن كل الدلائل تشير أنه لن يترشح.

كنا نعرف أن المرشد الأعلى له الكلمة الفصل في إيران، بغض النظر عمن يكون الرئيس وحجم الشعبية التي يتمتع بها. آية الله خامنئي أسس تسلسلا هرميا يبدو قويا وذكيا. كنا نعرف أن قراراته كانت توقف إصدار قانون أو تمنع أعضاء البرلمان حتى من مناقشة مشروع قانون إذا لم يعجبه. لكن ما نراه اليوم حول الانتخابات الرئاسية القادمة مختلف تماما. إذا كان صادقا فيما قاله في 21 مارس

إنه يملك صوتا واحدا فقط، ولن يقوم بتفضيل مرشح على آخر، وإذا جرت الانتخابات بشكل عادل ونزيه، فما المشكلة التي تسبب الكثير من الارتباك حاليا؟ لماذا لا يوجد شعور بالحماس في الشارع الإيراني، ولماذا يبدو الجميع صامتين؟

التسجيل الرسمي للترشيح يبدأ في نهاية أبريل، وسيكون لدى المرشحين أربع أسابيع للقيام بحملاتهم الانتخابية قبل التصويت. هذه المدة القصيرة تلعب ضد المرشحين غير المعروفين لصالح المرشحين المعروفين. وفي غياب مرشح يتمتع بشعبية واضحة، فإن هذه الانتخابات لن تتم بالطريقة التي يرغبها المرشد الأعلى، وهي أعلى نسبة مشاركة ممكنة، وهي نفسها التي عبر عنها نجاد حين قال إن إيران بحاجة لانتخابات يشارك فيها 50 مليون ناخب.

في معظم دول العالم الثالث، يلعب المال والفساد السياسي دورا مهما في شراء أي شيء. اجتماع الفساد والمال مع الاستخبارات والقوة العسكرية يجعل الحرس الثوري الإيراني أقوياء ومرعبين لدرجة كبيرة. فقد ضغطوا على أحمدي نجاد مثلا لتعيين بعض قادتهم ضمن الحكومة. أحد المرشحين الرئيسيين في الانتخابات الرئاسية القادمة محمد غاليباف، رئيس بلدية إيران الحالي، الذي يملك سجلا طويلا من الخدمة في الحرس الثوري. بلدية إيران مليئة حاليا بقادة من الحرس الثوري، وهم يخدمون حاليا كنواب ومستشارين ومعاونين لغاليباف. فماذا سيحدث إذا أصبح رئيسا لإيران؟! ربما سيؤلف غاليباف حكومته كلها من أصدقائه في الحرس الثوري!.

إن تحول السلطة إلى أيدي ميليشيات يعدّ كارثة! هل هذا ما يجعل المرشد الأعلى مترددا وقلقا من عودة السياسيين المخضرمين مثل رفسنجاني وخاتمي؛ لأنهم قد يتمكنون من إنقاذ البلد من أيدي الحرس الثوري؟ إن الشعب الإيراني يجب أن يتوجه باللوم إلى خامنئي؛ لأنه أعطى الحرس الثوري كل هذه الحرية لدرجة أصبحوا يمثلون خطرا على الديموقراطية في إيران. وحش الحرس الثوري صنعه خامنئي ليحميه، لكن هذا الوحش يشكل خطورة اليوم حتى على خامنئي. ربما إذا أراد خامنئي أن يوقف تدخل الحرس الثوري في نقطة ما، فإنه قد يجد نفسه في مواجهة قادة الحرس الثوري!.

هاشمي وخاتمي يستطيعان أن يحققا حماسا كبيرا، لكننا لا نعرف بعد إذا كان مرشح أحمدي نجاد رحيم مشائي، سيتمكن من ترشيح نفسه أم أنه سيتم إعلان عدم أهليته للترشح. إذا ترشح مشائي فإن المنافسة ستكون بينه وبين محافظين متشددين مثل ولايتي وغاليباف، ولذلك فإن من المتوقع أن ترتفع شعبية مشائي بسرعة في هذه الحالة.

وسط كل هذا، الشيء الوحيد المفقود لإكمال هذا اللغز هو تردد خامنئي الذي عليه أن يختار بين عالمين: عالم الحرس الثوري الذي سيحول إيران إلى بلد شبيه بكوريا الشمالية، وبين أفراد الشعب الذين يسعون إلى السلام والاقتصاد الجيد والحرية.