قبل سنة وأكثر وتحديداً في (30 – 3 – 2012)، كتبت مقالاً هنا بصفحة الرأي بصحيفة الوطن بعنوان (بخطة "3 من 7".. بلادنا تخسر اقتصادياً)، تناولت من خلاله الأثر الاقتصادي السلبي على الاقتصاد السعودي، وأن الموعد الحالي للإجازة يجعل اقتصادنا السعودي فعلياً خارج الحراك الاقتصادي العالمي أربعة أيام متتالية. ودللت على ذلك بالأرقام التي أوردتها ضمنياً في المقال، ويمكنكم الرجوع إليه من خلال موقع (الوطن أون لاين) على شبكة الإنترنت، لتتعرفوا أكثر أيضاً على حجم النسبة المئوية التي ستطرأ على الاقتصاد السعودي بزيادة (يوم الخميس) كيوم عمل تعويضي إضافي، وبتغيير يومي الإجازة إلى يومي (الجمعة والسبت)، والتي ستبلغ (25%) تقريباً، وهي نسبة عالية ومؤثرة، من الصعب تجاهلها بأي حال تحت ضغط المشاعر المتعاطفة مع مقولة التعود فقط.

فحين تابعت ردة فعل الشارع العام بعد رفع مجلس الشورى التوصيات إلى مجلس الوزراء، لم أجد طرحاً معارضاً يرقى إلى الدرجة التي يمكنها أن تكون ناضجة بشكل كاف لإيقاف إقرار هذه التوصية، إذ لم يخرج الاعتراض عن إطار الدندنة بالخصوصية الاجتماعية، وعدم مقدرتنا على التأقلم والتعود على الموعد الجديد، أو عدم استساغتنا لكون (يوم الجمعة) هو أول أيام الإجازة! أو أن الخميس سيفقد تألقه الذي غنى له الفنان محمد عبده (ليلة خميس)، في الوقت الذي يغفلون فيه أن الراحل (طلال مداح) (رحمة الله عليه) قد غنى (أحلى الليالي تراها ليلة الجمعة).

مثل هذه الاعتراضات لم تكن تحمل هماً حقيقياً باتجاه مصلحة جماعية يعول عليها، بل كانت ولا تزال غير منطقية أو منطلقة من أرضية قوية ومقنعة، بل لا تعدو كونها كلمات أقرب إلى التندر منها إلى الجدية.

وللحقيقة فقد كانت هناك نسبة (25%) تقريباً تمثل رأي الشارع المؤيد للقرار، وعادت هذه النسبة في معظمها إلى الأفراد الذين قضوا عدداً من سنوات الدراسة خارج المملكة العربية السعودية، وتأقلموا مع وضع أيام الإجازة الأسبوعية الجديدة، وخاصة ذلك المتعلق منها بوضع يوم الجمعة، إذ يقول الدكتور عبدالكريم الحكمي - وهو مدير مصنع للخرسانة يضم عدداً كبيراً من العمال – درس خارج المملكة وعاد إليها للعمل التجاري "لطالما تمنيت أن يتوافق موعد إجازة نهاية الأسبوع في السعودية، مع تلك المعمول بها في بقية الدول العربية، فيوم الخميس كإجازة يُفقدنا كثيرا من التواصل مع الشركات العالمية من خارج السعودية"، ويضيف الدكتور أحمد الغنام – طبيب أسنان - "يحظى يوم الجمعة بتقدير أكبر لدى مجتمعنا المسلم، ومع هذا القرار لن يتبعه يوم عمل يُفكر فيه الناس بطريقة مشوشة بفعل الضغط العاطفي، وأتمنى أن يتم تفعيل القرار سريعاً".

لقد انتظرت كثيراً وبفارغ الصبر، قرار مجلس الشورى المرفوع إلى مجلس الوزراء لإقراره، وهو القرار القاضي بتغيير موعد إجازة نهاية الأسبوع، من يومي (الخميس والجمعة)، واعتماد يومي (الجمعة والسبت) عوضاً كيومي إجازة أسبوعية.

ومن خلال ذلك الاستطلاع السريع، يتضح لنا حجم تباعد تناول الأفراد داخل المجتمع نفسه فيما يخص الرغبة في التغيير، وكيف يراه ويريده كلا الجانبين، ففي الوقت الذي ينحاز الأفراد الذين لم يعيشوا التجربة من قبل، مثل من عاشوها في الخارج، إلى ثقل ذلك التغيير، كما يقيمونه من الناحية (العاطفية)، يراه الطرف الآخر من المبتعثين في الخارج بشكل أكثر إيجابية و(عقلانية). وفي الواقع نحن بحاجة ماسة إلى رؤية الأمر من الناحية العقلانية أكثر، فتأثيرها على النمو الاقتصادي المحلي، سيكون ملموساً يصب في مصلحة المواطن أكثر، وسيكون ناتجها في المستقبل حقيقياً يعكس جهود الآلة الاقتصادية السعودية.

من هنا أرى أن يفكر الجميع بالمصلحة العامة، وينخرطوا في دعم المشروع المطروح، فذلك أجدى من الركون إلى دغدغة العواطف التي جربناها عقوداً طويلة، ولم يكن لها من التأثير الإيجابي حتى القليل الذي لا يسمن ولا يُغني من جوع.