حين يقول بيان الهيئة العليا لمكافحة الفساد ما قبل الأمس "إن مكافحة ظاهرة الفساد مسؤولية اجتماعية شاملة يشترك فيها الجميع"، سأقول لهم: لا، وعفواً، ونحن في بالغ الأسف من توزيع هذه المسؤولية على المواطنين وكافة طبقات الشعب، لأننا استأجرنا لكم العمائر بالملايين، وفتحنا لكم كافة الوظائف من المعالي للممتازة حتى وظائف (الرقميين) وانتهاء بحراس البوابة وعامل القهوة. مكافحة الفساد بالنظام والقانون هي مسؤوليتكم الكاملة المكتملة، فما هو دخلي كمواطن؟ وما هي الصلاحيات التي أملكها معكم لمكافحة هذه الظاهرة؟
أنا أكتب اليوم لمكافحة جمل التعبير والإنشاء على ألسنة بعض المسؤولين في الجملة الشهيرة "أن المواطن شريك في المسؤولية". وعلى ذات المقاربة: سأرفض رفضاً تاماً أن يقول رئيس حرس الحدود إن المواطن شريك في القضاء على ظاهرة عشرين ألف متسلل إلى حدودنا في اليوم الواحد. سأرفض أيضاً أن أكون شريكاً في مسؤولية تهريب أطنان الحبوب والكحول والمخدرات. سأرفض، وبكل عنف، أن تحملني بلدية المدينة مسؤولية البناء العشوائي لعشرات الأحياء في البلد، أو الاستيلاء على آلاف الأمتار من التعديات في اليوم الواحد. سأرفض أيضاً أن أكون المواطن (الغلبان) الذي تحمله فروع وزارة التجارة شراكة التصدي للغش التجاري الضارب بأطنابه على كل ما نشتريه إلى بيوتنا وأجسادنا المنهكة. سأرفض تماماً أن يصدر رئيس قلم المرور (بياناً) يحمل فيه المواطن شراكة المسؤولية في هذه الفوضى المرورية العارمة، لأنني أعطيته من المال العام آلاف السيارات وآلاف الضباط والجنود الذين يستطيعون ضبط النظام المروري لو أنهم خرجوا إلى الشارع من مكاتبهم المكيفة. ما هي الصلاحيات التي أملكها كمواطن، إذا ما شاهدت قاطع إشارة أو موزعا للمخدرات أو متسللا مجهولا أمام باب المنزل؟ كل هؤلاء من كبار المسؤولين، وكل هذه الآلاف من الأفراد الموظفين يقبضون رواتبهم على مسؤولياتهم قبل نهاية الشهر بأسبوع ومن المال العام، فلماذا يكون المواطن البسيط شريكاً معكم في المسؤولية وهو لم يكن شريكاً في الراتب والوظيفة؟ وسأخلص إلى أن الجملة العائمة في "أن المواطن شريك في المسؤولية" ليست بأكثر من جملة هدفها توزيع الفوضى والفساد على القبائل.. هي جملة دخلت حياتنا من باب التوعية التي ثبت فشلها الذريع، مثلما هي الجملة التي أدت إلى غياب القانون وإلى التوزيع العشوائي لشراكة المسؤولية.