تعد المؤتمرات العلمية من أهم وسائل الاتصال بين العلماء المتخصصين في المجالات العلمية المختلفة والمهتمين بها، ومن خلالها يتم نشر ما يتم التوصل من معلومات، وخبرات، ومستجدات في مختلف فروع المعرفة، ويحرص العلماء على الحضور والمشاركة في جلساتها سواء بأبحاثهم، أو أوراق العمل، أو بالحضور، والاستماع، والمشاركة في النقاشات في نهاية كل جلسة علمية أو محاضرة، والمؤتمرات العلمية في الدول المتقدمة، يتم التخطيط لها قبل موعد انعقادها بفترة زمنية طويلة، ويتم استقطاب عدد من العلماء المتميزين للتحدث في محاضراتها الرئيسة، وفعالياتها المختلفة، وتتنوع موضوعاتها، ومحاورها كل عام، وتكون الجهات المسؤولة عنها هي الجمعيات، والمنظمات العلمية، ويُشكل لها لجان تنظيمية وعلمية، وأغلب أعضائها يعملون من باب التطوع بحكم عضويتهم في هذه الجمعيات، أو المنظمات العلمية؛ لأنهم يرون أن ذلك من واجباتهم نحو تخصصاتهم ونحو الجمعية، أو المنظمة التي ينتمون لها. أما مؤتمراتنا فلا أحد يعمل، أو يشارك في لجانها إلا بمقابل، وإذا لم يكن هناك مقابل فلن يعمل في لجان المؤتمر أحد، ولذلك نجد أن التخطيط، والتنظيم، والتنفيذ في أغلب مؤتمراتنا يوكل لأفراد محدودين، ونتيجة لذلك يكون مستوى التخطيط، أو التنفيذ متواضعا إلى حد كبير.
وفي الدول المتقدمة يتم تصنيف الأبحاث وأوراق العمل وفق محاور اللقاء المعلن عنها، ويتم التركيز على الأبحاث النوعية، ويتم استبعاد غير المناسب منها، ويُعتذر من البداية لمن لم تحقق مشاركته أهداف، أو معايير المؤتمر، كما يتم التواصل مع المشاركين بوقت كاف حيال مشاركاتهم، ويتم الإعلان عن جدول الفعاليات في الوقت المناسب في الموقع المخصص للمؤتمر أو اللقاء العلمي، ويتم التواصل مع الباحثين المشاركين بشأن أبحاثهم من خلال البريد الإلكتروني بشكل مستمر، وتتنوع فعاليات المؤتمر وأنشطته، فنجد هناك محاضرات لعلماء معروفين في مجالات ومحاور المؤتمر ويخصص لهم محاضرات، ويقدمون كمتحدثين أساسين، ويتم توزيع هذه المحاضرات على أيام المؤتمر، وتشمل الفعاليات أيضا ورش عمل متخصصة يقدمها خبراء، ومدربون معروفون، وفي الغالب تكون هذه الفعاليات برسوم، كما يتم تنفيذ جلسات الطاولة المستديرة يتم فيها تخصيص موضوع تتم مناقشته من قبل المتخصصين، والمهتمين في هذا المجال، ويتم أيضا لقاءات لمجموعات معنية ببعض محاور المؤتمر تسمى جلسات خاصة متخصصة، ومن ضمن فعاليات المؤتمرات عند الدول المتقدمة عرض ما يعرف بالملصقات العلمية، وينشر الباحثون أوراقهم على صورة ملصقات، ويتفاعلون مع زوار هذا الجناح، ويجيبون عن أسئلتهم واستفساراتهم، ويكون هناك أيضا عرض مختصر لكثير من الأبحاث في جلسات محددة، وهناك عرض كامل لبعض الأبحاث المتميزة، ويتم وضع عناوين جميع الفعاليات وفق تنظيم معين في كتيب المؤتمر المختصر، بحيث تتاح الفرصة للحضور والمشاركين لاختيار الجلسات والموضوعات التي يرغبون في حضورها، وفي الجلسة الواحدة قد يكون هناك عرض متزامن للعديد من الأبحاث، وأوراق العمل، وهذا دليل واضح على الإقبال الكبير على المشاركة في هذه المؤتمرات، وقد يكون نطاق المؤتمر أكبر إذا كان المؤتمر دوليا، وفي أثناء فعاليات المؤتمر يتم الإعلان عن موضوع مؤتمر العام القادم ومحاوره، وتقدم الدعوة للمشاركة في فعالياته قبل عام على موعد انعقاده؛ لأن هناك انتظاما في عقد مثل هذه المؤتمرات، ويتم ضمن فعاليات كل مؤتمر تكريم أفضل بحث، وورقة عمل في حفل يخصص لذلك، وهذا من باب تشجيع الباحثين.
أما مستوى المشاركات من العلماء والباحثين في مؤتمراتنا، فهو متواضع إلى حد كبير، بل هناك عزوف من المتخصصين والباحثين عن المشاركة أو الحضور، وفي الغالب تكون جلسات مؤتمراتنا مقصورة على أبحاث متواضعة لا جديد فيها، ولا يوجد تنوع في فعاليات ومناشط مؤتمراتنا، ويتم توزيع ما يصل إلى الجهة المنظمة من أبحاث على محاور المؤتمر، وقد لا يتناسب موضوع البحث مع المحور الذي وضع تحته، وتكون الجلسات محدودة بشكل كبير نظرا لقلة المشاركات، كما أن برنامج المؤتمر لا يظهر إلا قبل موعد انعقاده بأيام قليلة وهذا قد يحد من مشاركة بعض الباحثين أو اعتذارهم بالرغم من قبول مشاركاتهم، وعند الحديث عن الحضور والمشاركة في فعاليات هذه المؤتمرات من قبل جميع الفئات المستهدفة، فهو متواضع جدا وبشكل ملفت للنظر، وفي الغالب يقتصر الحضور على بعض المتخصصين والمهتمين بموضوع المؤتمر ومجالاته فقط، أو المشاركين في جلساته، وقد تعود أسباب العزوف لسوء التخطيط، وغياب الجانب الإعلامي لهذه المؤتمرات واللقاءات العلمية، مع العلم أن هناك رعاية إعلامية لهذه المؤتمرات من بعض الصحف أو وسائل الإعلام، ولكنها لا تتعدى أن تكون رعاية شكلية، فلا يتم خلال فعاليات المؤتمر عقد لقاءات توثيقية مع بعض المشاركين بشكل مخطط له، ولا يتم عمل تحقيقات صحفية، أو لقاءات يتم من خلالها إبراز بعض توصيات ونقاشات هذه اللقاءات العلمية ونشرها في أثناء انعقاد المؤتمر، كما أن مؤتمراتنا تفتقر للانتظام، فهي لا تعقد بصفة دورية، ولا يختار لها التوقيت المناسب في كثير من الأوقات، أما المشاركات الدولية فقد تكون محدودة إلى حد كبير نتيجة لعدم وجود الإعلان عنها بشكل واسع، ولا يخصص لكثير من لقاءاتنا ومؤتمراتنا العلمية مواقع إلكترونية تسهل التواصل بين القائمين على المؤتمر والمتخصصين والمهتمين بمجالاته، وهذا عامل آخر قد يحد من المشاركة أو الحضور لمثل هذه الفعاليات.
وهنا أرى أننا بحاجة لإعادة النظر في هذه المؤتمرات من حيث الجهات التي تنفذها، فلدينا العديد من الجمعيات العلمية في جامعاتنا، ولكنها في سبات عميق وليس لها دور في التخطيط والتنفيذ للمؤتمرات العلمية في مجالاتها، مع أن ذلك من مهامها الرئيسة، كما أن هذه المؤتمرات تتطلب دعما ماليا، ورعاية إعلامية، ومن الضروري أن تعمل هذه الجمعيات، والمنظمات، والمؤسسات العلمية على الحصول على الدعم اللازم من رجال الأعمال ومن المصانع والشركات، والبنوك من خلال التواصل معها، وأن تنسق لبرنامج إعلامي متكامل قبل، وفي أثناء، وبعد المؤتمر، وأن يكون هناك استمرارية لعقد هذه المؤتمرات بصفة منتظمة، واستقطاب للعلماء، والخبراء العالميين للمشاركة في فعاليات المؤتمرات، وأن تخصص مواقع إلكترونية تفاعلية خاصة بكل لقاء أو مؤتمر علمي؛ ليسهل التواصل المستمر مع العلماء والمتخصصين ويعرض كل ما يستجد حيالها.