في يوم واحد وصلني أحد الإيميلات إحدى وثلاثين مرة من مصادر مختلفه، وهذا الإيميل مشابه جدا لإيميل أو منشور قديم جدا يفيد أن أحدهم رأى الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في منامه وأخبره أن يوم القيامة قريب جدا فقد يكون غدا أو بعد غد أو بعد أسبوع على الأكثر، ويطلب من المؤمنين التبليغ، وكالعادة فإن الإيميل يسوق مايثبت أن أحد الناس لم يصدق وكذّب هذا الإيميل فتعرض لحادث ومات و(أصبح جثة هامدة) مع أن كل الأموات عبارة عن جثث، وآخر صدق ونشر الأمر فكسب ستة وتسعين ألف ريال (بالضبط) دون تعب، ولا أعرف حقيقة ماقيمة النقود مادامت القيامة قريبة، فكان الأجدر به أن يقول ستا وتسعين (ألف) حسنة فقد جرت العادة في مثل هذه الإيميلات بتوزيع الحسنات بالألوف.
وأعتقد أن هذا الإيميل وماهو على شاكلته قد أعيدت صياغتها مرة أخرى مع إضافة بعض المؤثرات بمناسبة اقتراب شهر رمضان المبارك . أسوة بباقي الأمور الأخرى. فقد أصبح المسكين (رمضان) مناسبة لكل مناسبة فالمطربون والمطربات يجدون رمضان مناسبة لممارسة بعض النفحات الإيمانية التي تهب عليهم (على غفلة) وذلك بالغناء لرمضان أو للفضيلة أو لحب الله ورسوله أو لطرح ألبوماتهم الجديدة التي لاعلاقة لها بكل هذا. والممثلون والممثلات يجدون في رمضان مناسبة لاستعراض ماعكفوا سنة كاملة (من رمضان إلى رمضان) على إصلاحه وتقويمة من قوام وأنوف وشفاه وشفط وتقشير واختبار مدى نجاح هذه العمليات على ذائقة المشاهدين. أما المنتجون فيتخموننا بالكثير الكثير من أعمالهم التي طبخت على عجل ويقدمونها لنا كوجبة رمضانية لا نكهة لها ولا طعما وبعضها بائت أو مسروق من بيت الجيران (إلا من رحم ربي)
وحتى الحرامية وجدوا في رمضان مناسبة رائعة لممارسة الغش التجاري في الزحمة وذلك بالعروض الخاصة والخصومات التي يقدمونها على السلع المنتهية الأجل أو التي تنتهي أثناء هذا الشهر.
حتى ضج رمضان مما هو فيه وأصبح عارما بالفوضى وتزاحم المسلسلات والفوازير والمسابقات وتراص كتب الطبخ والحلويات في مراكز التسويق وانتشار صور الأطباق الشهية وإعلانات التخفيضات الوهمية على نواصي الشوارع.
أما صاحب هذا الإيميل (وألتمس له العذر) فقد أراد أن يركب الموجة وقد عز عليه تفريغ رمضان من محتواه الأساسي وهو منح الصائمين مزيدا من الهدوء والتأمل والقرب من الله وكثرة العبادات وقراءة القرآن وترويض النفس، فأراد تذكيرهم بالله والحساب والعقاب ويوم القيامة، إلا أنه ليس محترفا على مايبدو فقد (شطح) كثيرا. ويبقى رمضان مزدحما بشياطين الإنس الذين تتزايد أعدادهم وأساليبهم في إشغال الصائمين سنة بعد أخرى.