أحترم كل عالم شرعي وواعظ، يطبق كل ما يقول على نفسه وأهله، حتى وإن اختلفت معه في الرأي، وأحترمه أكثر عندما يصل إلى استنتاج فقهي عصري ولا يتهيب ولا يخاف من إشهاره حتى لو كلف ذلك خسارة الجماهير.

ولا أحترم عبدة الجماهير، وهم فئة من المشايخ والوعاظ، جهلوا الشعب وضللوه منذ عقود، بوعظ يرهب ولا يرغب، وبفتاوى تعسر ولا تيسر، فتاوى تخلوا هم عن تطبيقها اليوم وأوهموا الناس بأنهم باقون عليها، كي لا يخسروا المريدين والجماهير.

هؤلاء يحرمون السفر ويسافرون، يحرمون الاختلاط ويختلطون، يحرمون مصافحة النساء ويصافحون، يحرمون كشف وجه المرأة ويرون ذلك ولا ينكرون، بل يجالسون ويناقشون وعندما تسألهم لماذا تتناقضون؟ يقولون نحن لا نتناقض، ويفتون فوراً بفتوى تحلل ما كانوا يحرمون، فتسألهم مرة أخرى لماذا لا تعلنون هذه الفتوى للناس؟ أكثر من إجابة على هذا السؤال منها "بيقومون علينا طلبة العلم وما ودنا نخسرهم"! "أنا كبير وما ودي فتوى تخسرني محبة الناس في آخر العمر".. "يزعلون علينا مشائخنا الكبار"، "هين.. خير إن شاء الله".. باختصار إنها عبادة الجماهير، عبادة تحميهم، وتأتي بالمال الوفير.

هذه العبادة أنتجت لنا فئة من المشايخ والوعاظ متناقضين، أنتجوا عددا غير قليل من الشعب منفصما مترددا حتى في الضحك والفرح، يستغرب إذا سأل وأجابوه بـ"يجوز" أو "حلال" ويعود مرة أخرى ويستجدي التحريم.

لكن هؤلاء البسطاء، لا يعلمون أن ترددهم وعدم إعمال عقولهم؛ هو ضمان لاستمرارية هذه الفئة من المشايخ والوعاظ، في التضليل والتضييق، رغم أنهم يستمتعون بحياتهم بفتاوى شرعية يخبئونها عنهم، لأنها ستكشف تناقضهم، وبالتالي ستسحب ثوب القداسة منهم.

إن الأمم المحاربة لتدريس الفلسفة والمنطق، ينشأ فيها هذا النوع من العبادة، فالأمم الداعمة لفن المنطق والفلسفة، لا يعبد الناس فيها بعضهم، جماهير كانوا أو أفرادا، بل يبحثون عن ارتكاز روحاني ويعبدون الله جميعاً.