الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم، تحدث الأسبوع الماضي تحت قبة الشورى، عن عدة تحديات تواجهها الوزارة، وتعمل جاهدة على تجاوزها.

ضمن هذه التحديات أقر سموه بأن معلمين في المرحلة الابتدائية (غير متخصصين)، وأن الظروف أجبرت الوزارة على تعيينهم على مدى السنوات الماضية، وأشار سموه إلى أن جهوداً كبيرة تبذل من أجل الرفع من إمكانياتهم وتأهيلهم.

وإذا كانت هذه السلبية قاصرة على المرحلة الابتدائية، وأن المرحلتين التاليتين في التعليم العام لا تعاني أية منهما الأزمة ذاتها، ونرجو أن يكون الأمر كذلك، فهذا يعني أن التعليم الابتدائي يأتي في آخر قائمة الاهتمام!

وبما أننا لن نعيد اختراع العجلة من جديد، هذا يعني أنه يجب علينا أن نبدأ من حيث انتهى الناس، وأن نقتفى أثر الدول التي بنت نهضتها على تطوير التعليم، لنعرف أن تلك الدول قد اعتنت أيما اعتناء بمراحل التعليم الأولى، باعتبارها الأساس الذي تبنى عليه المراحل المتقدمة، بل وهي أيضاً المرشد الأمين لتحصيل الناشئة المعرفة بشكل عام.

وإذا تخطينا مقولة "هتلر" بأنه قد هيأ بلاده (ألمانيا) لحمل مشروعه، بأن أعد معلم المرحلة الابتدائية وأهّله لزراعة الهدف في جيل بكامله. أقول إذا تجاوزنا عن هذه المقولة ممانعةً لشخص قائلها وفكره، فإننا سنجد أنفسنا أمام عالم متقدم، يولي هذه المرحلة غاية اهتمامه، بل إن الاهتمام في الولايات المتحدة الأميركية يبدأ من مرحلة رياض الأطفال، فقد حدثني الأستاذ عبد السلام جنبي مساعد مدير تعليم عسير الأسبق _ يرحمه الله_ أنه أثناء دراسته العليا في ولاية "أوكلاهوما" قد هاله تلك الثورة التعليمية التي تعيشها الولاية (وكل الولايات)، وحكى لي كثيراً من التفصيلات التي لا تفي المساحة بإيرادها، لكن الشاهد الذي استخلصه هنا أنه ذات يوم ذهب بولده إلى الروضة صباحاً كالعادة، فوجد جمهرة من أولياء الأمور، اجتمعوا ليعترضوا على ترفيع مديرة الروضة إلى منصب مدير عام التعليم في الولاية، وتصوروا الفرق الشاسع في ثقافتنا بين مديرة روضة ومدير عام التعليم في ولاية! وقد توجه الأهالي بشكواهم إلى مقر الحاكم الذي لبى مطلبهم فأبقى مدير عام التعليم مديراً للروضة!

وإذا كان كثير من التربويين لا يزالون يتهمون لائحة الامتحـانات الصادرة عام 1394، بسـبب اهتمامها بالكم على حساب الكيف من أجل الاكتفاء الذاتي بالقوة البشرية، فإننا لا نريد أن نزيد الطين بلة بتهميش التعليم الابتدائي الذي هو أساس البناء التعليمي.

أناشد سمو الوزير أن يكلف لجنة متخصصة لقياس المنتج التعليمي بهذه المرحلة خلال السنوات التي تولى هؤلاء المعلمون غير المتخصصين التدريس فيها، وإني على يقين أن هذا التقييم سوف يكون صادماً وملحاً لإعادة النظر فيما يجري بشأن هذه المرحلة الهامة في تنمية أطفالنا جيل المستقبل، وأنه لا بد من توفير المعلم بأعلى تأهيل وكذا الوسائل والآليات التي تنطلق بأولادنا منذ نعومة أظفارهم إلى عالم اليوم.

وهل أدلكم يا وزارة التربية والتعليم على كنز مخبوء ثمين، يمكنكم إعادة اكتشافه وتوظيفه لإنجاح خطة الوزارة وتحقيق النفع لأبنائنا وبناتنا في المرحلة الابتدائية؟!

إنهم المتقاعدون من رجال التعليم: معلمين ومديرين وموجهين، لماذا لا يتم التعاقد معهم من جديد، للتدريس في هذه المرحلة، ليستفيد أبناؤنا وبناتنا من تلك الخبرة المتراكمة المتعمقة والمعتقة، المكنوزة بزخم في عقول هؤلاء المتقاعدين، وفي الوقت ذاته نسدي خدمة جليلة ورسالة عرفان لهذه الفئة التي أزعم أنكم ستعيدون لها ألق حياتها، بعدما انزووا في الهوامش طي النسيان، وبهذا تصيدون أكثر من عصفور واحد، بقرار جريء وحكيم واحد.