أعتقد أن الطريقة التي أديرت بها أحداث بوسطن إعلاميا، والتي بنيت وفق استراتيجية مخطط لها قام بها مستشارو العلاقات العامة التابعون للجهات الرسمية الأميركية المختلفة المرتبطة بالحدث، قد قدمت للمتابع درسا عالي الجودة في الكيفية التي بها يمكن التأثير، وربما كذلك التحكم بنفسية الجمهور بشكل يجعل القول إن السيطرة على الجموع أمر يمكن تحقيقه بكل سهولة.

تابعت كغيري التغطية التلفزيونية والصحف والمواقع الأميركية خلال الأيام التي تلت حادثة الانفجار التي أودت بحياة 3 أشخاص، قارنت خلالها النسق الذي مرت به الأحداث مع أحداث أخرى مرت بها الولايات المتحدة الأميركية، ولاحظت أن كتابة الحبكة الإعلامية التي تحيط بالحدث يجب أن تمر وفق سيناريو متسلسل الأحداث أشبه بسيناريو لفيلم هوليودي تبدأ فيه الحبكة بحدث غير اعتيادي تليه حالة من الرعب تتخللها تهويلات تزيد من حالة الهلع والتشويق والانصياع لسحر الفن الإخراجي وثم بصيص من الأمل، ثم نهاية يصفق لها الجميع و"توتا توتا خلصت الحدوتة".

لست بالضرورة من المتحمسين جدا لنظريات المؤامرة التي تنتشر بين "صيادي الحقيقة"، ولكني في ذات الوقت لا أستطيع تجاهل حقيقة أني قرأت تسلسل الأحداث قبل حدوثها وكأني أرى ما سيحدث قبل أن يكون، أو ربما لأني لاحظت وجود نمط متكرر أثبت قدرته على التأثير على الجموع التي تفضل أن تبقى جموعا تصدق كل ما تشاهد.

علينا كإعلاميين وكمخططين استراتيجيين أن نتعلم من هذه التجربة الأميركية الناجحة جدا في كيفية السيطرة على قلوب وعقول الجماهير. كيف نقوم بالتأثير ودفع الجمهور للتجاوب مع أهدافنا، وعلينا في ذات الوقت كجماهير أن نفيق ونعي بأن المسرحيات الإعلامية أصبحت اليوم جزءا من العمل السياسي وأن كل كلمة وكل صورة وكل بيان له أهدافه التي قد لا تراها وقد لا تتفق مع قناعتك ولكنك دون أن تعلم تصبح جزءا من النتيجة النهائية.

أنا مقتنع بأننا لم نعد نحتاج لبرامج تلفزيون الواقع بعد أن أصبح ما نعيشه كل يوم برنامجا في حد ذاته، فمع الحروب التي تبث على الهواء إلى الرؤساء الذين يقتلون ويحاكمون أذلاء أمام الشاشة لا نحتاج لبرامج مصطنعة، إلا أنه يبقى لدي تساؤل حائر هو، من يا ترى هو المُخرج!