احتاجت (بوسطن) إلى 400 عام من الزمن كي تكون مأوى لهذه الملايين وقبلة علمية لكل هذا العالم الفسيح لأنها، أم الجامعات الثلاث الأولى على قائمة التعليم العالمي. لكن التاريخ الطويل الذي تفضلت به (بوسطن)، علمياً وبحثياً، على المنجز الإنساني، لم يكن بحاجة لأكثر من (قنبلة) في يد مريض معتوه ليحول هذه المدينة (الحلم) إلى شوارع أشباح كأول مدينة في المسيرة البشرية تنام تماماً تماماً ليوم كامل ويحبس كل أهلها في البيوت ويضع الأقفال على كل باب، ثم يهرب كالفأر في مرآب خلفي. هنا يكمن الفارق ما بين عقلية (الهدم) وعقول الاستخلاف والبناء، بين عقل لم يفكر سوى في صنع (قنبلة) وبين مدينة لا تنافسها مدينة أخرى في كل تاريخ المنجز العلمي وإسهاماتها في بناء الحضارة الإنسانية الحديثة. هرب (جوهر تسارناييف) إلى مخبئه وقد لا يعلم أن (قفل مدينة) بحجم بوسطن قد كلف في ذلك اليوم 335 مليون دولار كما أشار المحلل الاقتصادي لقناة (CNN). هنا الفارق الهائل بين عقول السلام وعقل الكراهية.

ما هي بوسطن؟ وكم أنت مدين لها في حياتك اليومية حتى وأنت تقرأ حروفي هذا الصباح بلغة عربية خالصة. هي حاوية هارفارد و(MIT) وجامعة بوسطن، من بوسطن خرجت أول رواية حقيقية في التاريخ حين كتب ناثانيال هاوثورن (بيت القباب السبع). لكن الرواية وحدها ليست شيئاً من القصة. من بوسطن وحدها، ومن معامل جامعاتها تخرج الورقة الأولى لربع مشاريع كل العالم البحثية واحد من كل ستة علماء من الفائزين بنوبل هو بالبرهان ساكن دائم أو موقت في جامعات هذه المدينة. من بوسطن، خرج أول علاج إشعاعي لمرضى السرطان ومنها أيضاً جاءت فكرة الخلايا الجذعية التي ستغير حياة البشرية. من هارفارد خرج عقار (الباراسايتمول) الذي يخفف كل صباح ومساء كل آلام البشرية ومن (MIT) اشتغلت أول فكرة للإنترنت، ومنها أيضاً خرجت فكرة التلفون الفضائي كي يتحول (الجوال) إلى عنوان ثابت لكل فرد من هذه البشرية.

كيف أحدثكم عن فضل (بوسطن) على هذه البشرية وماذا أترك لأنني أحتاج إلى ترجمة آلاف الصفحات أمامي في (باب ما جاء في فضل بوسطن عن المنجز الإنساني). فقط كي يعرف المتعاطفون مع هذا المعتوه الروسي الشيشاني فضل هذه المدينة عليهم وعليه شخصياً حين أعطته بوابة للحياة، فرد الجميل بقنبلة. وبكل الصراحة والصدق: ما هي إسهاماتكم في البناء الإنساني مقارنة بهذه المدينة؟