تضع المملكة العربية السعودية نُصب عينيها، ملفاتٍ عربيةٍ عدة، وتتعامل معها بخُطى ثابتة، كالقضية الفلسطينية، التي تتصدر أولويات قوائم التعاملات بالنسبة للرياض، وفق مُعادلاتٍ مدروسة وخطٍ سياسيٍ واضح المعالم.

وما تأييد المملكة للاعتراف بفلسطين كدولة مراقب بالأمم المتحدة إلا تجسيد لأهمية الملف الفلسطيني بالنسبة للمملكة، ينشأ من حق الشعب الفلسطيني في الحياة على أرضٍ بسيادةٍ كاملةٍ وفق أُطرٍ الشرعية الدولية.

وحينها، هنأت المملكة الشعب الفلسطيني الشقيق بحصول دولة فلسطين على صفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وكل ما يحمله ذلك من دلالات تعكس تأييد المجتمع الدولي لحق الفلسطينيين المشروع في الحصول على دولة مستقلة وذات سيادة.

واعتبر وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وقتها أن هذا الاعتراف خطوة جيدة، تنبئ عن إمكانية حدوث تحول إيجابي في طريقة تعامل الأمم المتحدة مع القضية الفلسطينية، التي شل أعمالها - للأسف - مجلس الأمن طيلة الحقبة الأخيرة، وأمل في ذات الوقت من مجلس الأمن أن ينظر بإيجابية إلى قرار الغالبية الدولية باعتباره دافعاً للسلام لا معطلاً له، وذلك في إطار مسؤوليته الرئيسة في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وأن هذا الأمر يضع العالم أمام ضرورة الاعتماد على القدرة الذاتية في التعامل مع القضايا العربية وعدم الاتكال على الآخرين، ويستدعي ذلك الجرأة وحصر الإمكانات وتحديد الأهداف والتضامن في المواقف لبلوغ ما نصبو إليه.

وتُدرك الرياض ضرورة مد جسور العلاقة بكافة أشكالها مع أشقائها العرب، وتجسد ذلك في مواقف عدة وفي حالاتٍ عدة، وشجبت بالمناسبة المملكة أكثر من مرة أعمال العنف التي تشهدها مملكة البحرين بين فينةٍ وأخرى خلال عام 2012.

وفي ذات العام شهدت عواصم خليجية أبرزها الرياض، اجتماعاتٍ عدة للجان الفنية الخليجية الموكل إليها التباحث في تفاصيل الانتقال من مرحلة التعاون الخليجي إلى الاتحاد، بناءً على دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الرامية إلى الانتقال من مرحلة التعاون إلى الاتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي الست.


إنقاذ اليمن

ومن الملف الخليجي إلى اليمني، الذي تحرص المملكة على أمنه واستقراره في أعقاب تنفيذ المبادرة الخليجية، التي خلقت أرضية لتسويةٍ سياسيةٍ في اليمن بعد اشتعال أزمة سياسية استمرت قرابة عامٍ ونصف العام من الزمان.

وقدمت الرياض من منطلق حرصها على نمو اليمن الشقيق 3.25 مليارات دولارٍ أميركي، مُساهمةً منها في دعم المشاريع الإنمائية التي سيتم الاتفاق عليها من الجانب اليمني وفق خطةٍ انتقالية قُدمت حينها من الحكومة اليمنية.

وشمل الدعم السعودي كافة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية، إلى جانب تمويل وضمان صادرات سعودية ووديعة في البنك المركزي اليمني، وأنشأت في ذات الوقت مجلساً تنسيقياً سعودياً يمنيا، في دعم وتمويل العديد من المشاريع والبرامج التنموية المختلفة والتي تم إنجازها في اليمن الشقيق.

وللعلم، فقد استبقت المملكة ذاك التبرع، بتبرعٍ آخر بلغت قيمته قرابة مليار دولارٍ أميركي، في مؤتمر لندن للمانحين، وتم تخصيصها لمشاريع إنمائية عن طريق صندوق التنمية السعودي، في حين قدمت المملكة دعماً في قطاعي البترول والكهرباء.


..ودعم للثورة السورية

ومن الموقف السعودي تجاه اليمن، إلى المواقف السعودية من الشعب السوري، الذي يُعاني من ظلم نظامه الدموي على مدى عقودٍ من الزمان، حين بلغ القتل وسفك الدماء حدوداً غير معقولة بعد اندلاع الأزمة في سورية قبل قرابة عامين.

وخلال عام 2012 وتلبيةً لنداءٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لنصرة الشعب السوري، تمكن السعوديون وعبر حملةٍ شعبية واسعة في خمسة أيامٍ فقط، من حصد من 11 إلى 13% من ميزانية الدولة السورية، قُدمت كمساعداتٍ للشعب السوري الجريح، الذي يواجه آلة نظامه العسكرية مُنذُ ما يزيدُ عن 22 شهراً.

وكان الملك عبدالله أول المتبرعين لنصرة الشعب السوري بـ20 مليون ريال، تلاه صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع بـ10 ملايين ريال.

وبرصدٍ أجرته "الوطن" تبين أن ميزانية الدولة السورية خلال عام 2011 بلغت قرابة 1326 مليار ليرة سورية، مما يعني أن ما جمعه السعوديون خلال الأيام الخمسة، يقترب تقديرياً من 11 إلى 13%، أي نحو عُشر ميزانية دمشق المُعلنة رسمياً من قبل الحكومة السورية.





إغاثة متواصلة

ويتواصل جسرٌ بري أنشأته المملكة لإغاثة اللاجئين السوريين في المملكة الأردنية الهاشمية، وتركيا ولبنان، وسيّرت الحملة الرسمية والشعبية السعودية ما مقداره 387 شاحنة حملت مواد غذائية وأدوية وخياماً وبطانيات، جرى توزيعها على اللاجئين السوريين في الأردن فقط خلال الفترة الماضية.

ولم يتوقف الدعم السعودي الرسمي والشعبي عند هذا الحد، حيث أمر خادم الحرمين الشريفين بنقل حجاج سورية بشكلٍ استثنائي، وخصصت بناءً على أمره، رحلاتٍ خاصة انطلاقا من العاصمة اللبنانية بيروت، وفُتحت حينها الأجواء السعودية لاستقبال حجاج علقوا على الأراضي اللبنانية حينها.

وتمكن في أعقاب التوجيه الملكي قرابة 450 حاجاً سوريا كانوا قد علقوا في مطار رفيق الحريري من تأدية مناسك الحج، بعد أن وفرت لهم الحكومة السعودية طائراتٍ خاصة لإنهاء أزمتهم.

في ذلك الوقت قال السفير السعودي لدى بيروت علي عواض عسيري إن "عناية ورعاية قيادة المملكة لا تقتصر فقط على حجاج الداخل، بل تحرص بما لا يدع مجالا للشك على الاهتمام الكبير الذي يجده حجاج الخارج، خصوصاً ممن يُعانون أوضاعاً إنسانيةً تحتاج وقفةً ومساندةً ومساعدة، كما حدث مع حجاج سورية الذين مدت لهم المملكة يد العون لتأدية نُسكهم وفريضتهم".


مركز حوار الأديان

وجاء افتتاح مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في العاصمة النمساوية فيينا، في خطوةٍ اعتبرها وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل "انتقالاً من مرحلة الإعداد والتنظير إلى مرحلة البدء الفعلي في وضع البرامج وتحديد الخطوات العملية لتحقيق أهداف وغايات هذا المركز".

وأكد الفيصل أن "النداء الذي أطلقه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والذي توجه به لكل دول العالم وشعوبها بمختلف دياناتهم وثقافاتهم ومذاهبهم، يعكس مبادرة إنسانية جادة للسلام والتعايش والاحترام والمحبة والتآلف، ويعتبر هذا المركز ثمرةً لجهدٍ طويلٍ ومتصل، بدأ في مكة المكرمة، مروراً بمدريد ونيويورك، وانتهاءً بجنيف وفيينا، وأن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات، ترتكز على مبادئ روحية وتاريخية تدعم الفكرة، ومن حسن الطالع أن هذه الدعوة وجدت صداها في العالم الذي أصبح مقتنعاً بمبادئ الحوار والتعاون ووضعه في صدارة أولوياته". المتابع للخطوات السياسية السعودية، يجد كل دلالات ومعالم الاتزان، المُنبثق من حرص المملكة على الوحدة العربية، وعلى التآخي والسلام ونبذ العُنف والاختلاف بأي شكلٍ كان وعلى مد يد وجسور مع الآخر، بصرف النظر عن دينٍ أو انتماءٍ دينيٍ أو سياسي أو مذهبي، وهو ما تؤسس له الرسالة الإسلامية الحنيفة.