ما بين الإقالة والاستقالة، ربما احتلت مصر مكان الصدارة خلال فترة الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي من حيث عدد المستقيلين والمقالين على مدى الشهور الستة الماضية، التي تمثل إجمالي الشهور التي أمضاها مرسي داخل قصر "الاتحادية" الرئاسي، وتحديداً منذ توليه مهام الرئاسة في 30 يونيو الماضي كأول رئيس مدني لمصر منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك على خلفية ثورة 25 يناير، إذ بلغ عدد المبعدين عن الحكم والمقالين والمستقيلين من كبار موظفي الدولي ومستشاري الرئيس نحو 10.
وهذا ما تمثل بوضوح في قضية النائب العام المصري طلعت عبدالله الذي عاد أمس عن استقالته التي تقدم بها بعد أقل من شهر من أدائه اليمين الدستورية كنائب عام خلفاً للمستشار عبد المجيد محمود الذي عزله الرئيس مرسي بإعلان دستوري أصدره في 22 نوفمبر الماضي، بعدما تلقى إشارات تفيد بأن المحكمة الدستورية تريد حل الجمعية التأسيسية للدستور، حسب ما قالته مؤسسة الرئاسة آنذك.
إهدار العدالة
من جهته، يقول المستشار أحمد الخطيب، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية والمتحدث باسم تيار استقلال القضاء، في تصريحات إلى "الوطن"، إنه "يجب الفصل بين أمرين، أولهما إقالة النائب العام السابق عبد المجيد محمود من منصبه الذي كان مطلباً لكافة القوى الثورية قبل وبعد ثورة 25 يناير، وبين تعيين الرئيس مرسي لنائب عام جديد وهو الأمر الذي فسره البعض بأنه اعتداء على استقلال القضاء وإهدار لاعتبارات العدالة".
ويقول الخطيب: "في ظل حالة الانقسامات السياسية التي تعيشها مصر حالياً التي خلقت حالة من انعدام الثقة وما يشاع عن أخونة الدولة، كان الأجدر والأولى بالرئيس مرسي الرجوع إلى مجلس القضاء الأعلى قبل تعيين نائب عام جديد.
يوم أسود
ويرى المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي قضاة مصر الأسبق، أن إجبار وكلاء النيابة للنائب العام على الاستقالة يوم أسود في تاريخ القضاء المصري، مضيفاً في تصريحات لـ "الوطن"، أن "ما قام به وكلاء النيابة من مظاهرات واعتصامات يعد خرقاً للقانون وإسقاطاً للسلطة القضائية بيد أبناء السلطة القضائية، وما قام به وكلاء النيابة من منع النائب العام من أداء مهام عمله وإجباره على الاستقالة عمل غير أخلاقي، وهو يوم أسود في تاريخ القضاء المصري، والذين أجبروا المستشار طلعت عبدالله على تقديم استقالته من منصبه كنائب عام سيندمون على هذا الرجل الذي لم تعطه الظروف الفرصة الكافية لأداء واجبه، فالرجل هو أحد رموز تيار استقلال القضاء في عهد الرئيس السابق، ومنصب النائب العام شرف به، كما أنه كان في غنى عن هذا المنصب".
ويرفض عبد العزيز أن تكون مؤسسة الرئاسة هي التي دفعت إلى الصدام بين وكلاء النيابة والنائب العام من خلال وقوفها حائلاً أمام تنفيذ طلبات القضاة وعلى رأسها قانون القضاء الجديد.
إقالة المشير
وبطبيعة الحال لم تكن إقالة المستشار عبد المجيد واستقالة المستشار طلعت سوى حلقة من سلسلة لم ولن تنته من الإقالات والاستقالات، إن كان أقوى حلقاتها ما جرى في 12 أغسطس 2011، وتحديداً عندما قرر الرئيس مرسي إلغاء العمل بالإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المجلس العسكري في يونيو 2011، مصدراً قراره بإحالة المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي والفريق سامي عنان رئيس أركان الحرب للتقاعد مع الاحتفاظ بهما كمستشارين للرئيس، وشملت حركة الإعفاءات من صفوف الجيش أيضا الفريق مهاب محمد حسين ميمش قائد القوات البحرية الذي عين رئيسا منتدبا لقناة السويس، والفريق عبد العزيز محمد سيف الدين الذي تولى مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع.
ويعلق الكاتب الصحفي عادل حمودة على كواليس إقالة المشير من منصبه قائلاً إنه "قبل 30 يونيو 2011، همس المشير إلى أحد رجاله المقربين من الإعلام إنه سيقدم استقالته وسيذهب إلى لندن للعلاج، وعندما جاء الموعد المحدد لم يستقل وأرجع ذلك إلى أن البعض نصحه بأنه في حالة تقديم استقالته سيتم تقديمه للمحاكمة"، مضيفاً "لم يكن أحد يعلم بالإقالات داخل المجلس العسكري أو الإطاحة بالمشير أو الفريق سامي عنان، بل إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كان يدرس تأمين احتفالية مرسي في ليلة القدر وصلاة العيد حتى الساعة 2 ظهراً في هذا اليوم، وكان الاجتماع مع الرئيس مرسي بعد نصف ساعة في قصر الرئاسة، وقتها ذهب عنان بمفرده ثم تبعه المشير بعدها بسيارته، وعندما دخل قال له مرسي إنه أقاله من منصبه، فرد المشير بأن هناك إعلاناً دستورياً مكملاً يمنع ذلك، فأجابه مرسي بأنه ألغى هذا الإعلان أيضاً، فاستجاب المشير وذهب لمقر استراحته".
"أخونة الدولة"
وحول علاقة إقالة طنطاوي وعنان من منصبيهما بظهور مصطلحات مثل "أخونة الدولة" و"أخونة الجيش"، يقول حمودة إننا أمام نموذج تنظيم يطبق بحذافيره، فالإخوان تنظيم لا يثق إلا في أعضائه، لا يريدون دولة مدنية أو غيره، هم لا يثقون إلا في أنفسهم فقط، ولا يغيرون مفاهيمهم، والدليل أنهم ضحكوا على المجلس العسكري نفسه وعلى القوى السياسية، وتخلوا عن الجميع لصالح أهدافهم، وأرى أن وصول الإخوان للسلطة انقلاب على الدولة المدنية".
ومن إقالة المشير والفريق إلى استقالة عدد من مساعدي الرئيس ومستشاريه رداً على الإعلان الدستوري الذي أصدره في 22 نوفمبر، والذي كان عاملاً مشتركاً في كل الاستقالات التي تبعت زلزاله الذي لم تنته توابعه حتى الآن.
حماية الثورة
فعلى صعيد مساعدي الرئيس، استقال الدكتور سمير مرقص، مساعد رئيس الجمهورية لشؤون التحول الديموقراطي، من منصبه مرجعاً ذلك إلى صدور هذا الإعلان "قانون حماية الثورة"، على حد قوله.
ويضيف مرقص: "أخبرت رئيس الجمهورية رفضي التام لمبدأ صياغة الدستور بناءً على مبدأ الغلبة الدستورية على عكس ما يعرف بدستور الحركة الوطنية الذي يقوم على التوافق، خصوصا أن التيار الإسلامي يسيطر عليه بشكل كامل ووضع مواد يرى أنها تحقق الديموقراطية وهي عكس ذلك تماماً، عانيت كثيراً من المتاعب منذ بداية عملي كمسؤول في الفريق الرئاسي، وتحديداً فيما يتعلق بالوصول للرئيس مرسي داخل مؤسسة الرئاسة لعرض وجهة نظري عليه في أي قرارات يتخذها، ووصلت إلى قناعة بأنه لا يمكنني أن أشارك في مؤسسة تصدر قرارات لترسيخ حكم الإسلاميين في مصر دون مشاركة باقي القوى الوطنية الأخرى، لأننا تعلمنا من التاريخ أن الإجراءات الاستثنائية تتبعها إجراءات على نفس النمط وهو ما يتنافى مع مبادئ ثورة يناير، ولا أشكك في أن فكرة تشكيل الفريق الرئاسي هي فكرة ديمقراطية هامة لتحويل الرئيس الديكتاتوري لرئيس مدني منتخب، لكن ما رأيته هو العكس.
على الهواء
ويقول الكاتب الصحفي فاروق جويدة، الذي أعلن استقالته من منصبه كمستشار للرئيس على الهواء مباشرة من خلال برنامجه "مع فاروق جويدة" الذي يقدمه على شاشة قناة الحياة، إن "سبب استقالتي هو أنني لا أقبل أن أكون ديكوراً أو شماعة يعلق عليها الرئيس قراراته التي لم أعرف عنها شيئاً ولم أشارك في صنعها ولو كنت علمت بها ما وافقته عليها".
ويضيف جويدة: "هناك دائرة ضيقة جداً هي التي تشارك الرئيس في صنع القرار نحن لم نعلم عنها شيئاً، وهذا الفكر وهذه الطريقة هي التي أسقطت النظام السابق الذي اختار مجموعة ضيقة محيطة بالرئيس كانت هي التي تخطط وتقرر، مما أسقط النظام ومبارك في نهاية المطاف، ما يحدث الآن في الشارع المصري انقسام مخيف رهيب ويهدد مستقبل مصر".
علامات استفهام
وإلى جوار جويدة، فقد ضمت قائمة المستقيلين من الهيئة الاستشارية للرئيس مرسي الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد، التي أرجعت استقالتها إلى أنه لم يتم أخذ رأيها في الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس في 22 نوفمبر، مضيفة أن "الشعب المصري كله مع محاكمة قتلة الشهداء، لكن هذا الإعلان أثار علامات استفهام كثيرة لا توجد إجابة لها، وأهمها تحصين الجمعية التأسيسية للدستور ومجلس الشورى من أي أحكام قضائية بحلهما.
وأضافت سكينة قائلة "قبلت المنصب من أجل مصلحة البلاد، لكن بعد عدم الأخذ برأيي كمستشارة للرئيس، أظن أن وجودي لم يعد له معنى".
اشتباك دموي
تصريحات سكينة توافقت مع ما أعلنه الكاتب الصحفي أيمن الصياد، رئيس تحرير مجلة وجهات نظر، الذي استقال هو الآخر من منصبه في الهيئة الاستشارية لمؤسسة الرئاسة، مضيفاً "فشلنا في إقناع الرئيس بالتراجع عن الإعلان الدستوري، وحاولنا البحث عن حلول للخروج من الأزمة التي وضع فيها هذا الإعلان مصر على مدى أسبوع كامل، وانتهينا إلى أن كل ما يقترحه الفريق على الرئيس لا يتم الاستماع إليه، ولا يتم العمل به، وهو ما دفعنا إلى الاستقالة".
بدوره، أرجع الإعلامي عمرو الليثي استقالته من منصبه في الهيئة الاستشارية للرئيس إلى حالة الاشتباك الدموي التي شهدها محيط قصر الاتحادية ما بين مؤيدي الإعلان الدستوري الصادر في نوفمبر ومعارضيه، مضيفاً "يجب على الرئيس فتح حوار وطني ثوري مع كافة القوى الثورية حقناً للدماء".
نخبة محنطة
أما الدكتور محمد عصمت سيف الدولة، فقد استقال هو الآخر من منصبه كمستشار للرئيس للشؤون العربية، مرجعاً ذلك إلى أنه لم يحتمل أن يرى مصريين يقاتلون بعضهم بعضا على خلفية الإعلان الدستوري، في وقت كان على الرئيس مرسي فيه أن يبني حواراً جاداً حول دستور يرضي جميع الأطراف، على حد قوله.
أما الدكتور سيف عبد الفتاح، فربما كان صاحب الاستقالة الأقوى تأثيراً من الهيئة الاستشارية لمؤسسة الرئاسة، حيث سعى طوال شهور كاملة لتقريب وجهات النظر بين المعارضة ومؤسسة الرئاسة، وعرف عنه دفاعه، عن قناعة، عما تقوم به مؤسسة الرئاسة في مصر من خطوات على طريق الإصلاح، وهو ما جعله يبكي وهو يعلن انسحابه من الهيئة الاستشارية لمؤسسة الرئاسة، مضيفاً أن "سبب الاستقالة يرجع إلى أنني لم أعد أحتمل تلك النخبة المحنطة التي تبحث عن مصالحها فقط، ولا هذه الجماعة ضيقة الأفق، بينما الشباب الذين قاموا بالثورة يتساقطون، ليس لأحد أن يركب الثورة، وسأكون مع الشباب الذين قاموا بالثورة خادماً لهم".