"إذا كان هدفك أن تُعجب الناس فسوف تكون مستعدا للمساومة على أي شيء في أي وقت، ولن تُحقق شيئا".. المقولة الشهيرة لـ"مارجريت تاتشر" التي فارقت الحياة الأسبوع الماضي وكانت أول رئيسة وزراء لبريطانيا، ولولا إيمانها بهذا الاعتقاد لما وصلت ابنة البقال الفقير إلى قصر الحكم البريطاني كرئيسة وزراء عبر ثلاث تجارب انتخابية من 1979 إلى 1990، رغم قسوة سياستها التي عُرفت بها آنذاك، وصعوبة الظروف التي حكمت فيها، وشدة النقد والصحافة اللاذعة معها خاصة من بقايا الذكوريين ممن حاولوا التقليل منها لكونها امرأة، فما اتخذته من قرارات رئاسية صادمة جعل بعضهم يلقبونها بـ"الساحرة"، والساحرة هنا بمعناها المكروه لدى الإنجليز، إلا أنه فيما يبدو حصد البريطانيون حيوية قراراتها وعرفوا قيمتها وحكمتها بعد أن تركت منصبها، وهم للآن يجنون ثمرتها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا.
ما أود قوله ببساطة أن هناك من ليس لديهم مبدأ ولا موقف مما يجري حولهم، خاصة بعض المسؤولين وبعض المحسوبين على النخب الفكرية والثقافية وحتى الدينية، هؤلاء ينتمون إلى تيارات يدندنون خلفها أو يرددون ما يقوله لهم الجمهور في لحظة حماسة عاطفية دون وعي أو محاولة لقراءة ما يحدث في لحظة تفكير عميقة، بعضهم تجدهم يردون للناس بضاعتهم التي كانوا يلوكونها في مجالسهم، ليكونوا ممن ينطبق عليهم القول "مع الخيل يا شقرا"، إما لأنه ليس لديهم الوقت للتفكير، أو ليست لديهم القدرة على التفكير، وتفضحهم كثرة الأحداث التي تكون متشابهة أحيانا سياسيا واجتماعيا وفكريا، وتجعلك ترى بوضوح تناقضاتهم بين حدث وآخر، لكن مع الأسف تجد أحدهم "يفضح نفسه بنفسه"، فتجده مثلا يرفض الطائفية، وما إن يأتي حدث يتعلق بها إلا وتراه يتقيأ الطائفية فيما يتناوله، فقط ليكون مع الجمهور العريض الذي سيكتسب منه شعبيته أو مع التيار الذي ينتمي ويكفل له تحقيق مصالحه! بل يكفي أن نرى من طبلوا لـ"الربيع العربي" وثورات المجتمعات العربية منذ سنتين، وإن حاولوا أن يغيروا مواقفهم الآن بشيء من الدبلوماسية، لكنهم مع الأسف مجرد "مطبلين" لعواطف الناس.
هؤلاء كما قالت "تاتشر" ممن يُحابون ويجاملون على حساب مصالح العامة ومستقبلهم، ويلتفتون لما يقوله الناس ويهمهم رضاهم وأن يمتدحوهم لا أن ينتقدوهم، وفي نهاية المطاف لن يكسبوا شيئا، ربما شيئا من الشعبية، لكنها تشبه كثيرا "فقاعة الصابون" التي ترتفع بالفضاء ثم فجأة تتلاشى، فيا ليتهم يستوعبون "أن رضا الناس غاية لا تُدرك"، وأن الفرد منهم مهما حاول فسيخسر "ضميره"، لأنه يساوم على أي شيء كونه بلا مبدأ، وليس أبلغ هنا مما قالته تاتشر وأؤمن به جدا وهو: "لو رآني نُقادي أسير فوق مياه التايمز لقالوا إنني أفعل ذلك؛ لأنني لا أجيد السباحة".